انزلق مجدداً رئيس مركز الوسطية التابع لوزارة الأوقاف والشؤون الاسلامية عبدالله الشريكة نحو هاوية التخندق خلف برامج المركز المعروفة باسم «تحصين»، تزامناً مع التطورات الحديثة المتعلّقة بعدد من الأحداث الكويتيين المغرر بهم داعشياً!

شهدت ساحة #الكويت منذ زمن طويل الكثير من الجدل والتجاذب السياسي والفكري بين فئة منحازة لحظيرة برامج وخطط مركز الوسطية ووزارة الأوقاف ككل، وهي فئة ذات توجهات دينية وسياسية محددة، مقابل فئة أخرى غير مؤيدة لمنهج الانغلاق المهني والإداري والديني في وزارة الأوقاف، فالذين يمثلون حظيرة الانحياز هم من نفس الجماعة، التي تقدم افكارها ورؤاها ضمن إطار مغلق وبمعزل عن مجاميع أخرى من أفراد المجتمع والمؤسسات المدنية.

الفئة الأولى مسيطرة دينياً ومنهجياً على مصادر القرار في وزارة الأوقاف ومركز الوسطية أيضا، وقد استحوذت هذه الفئة على ذلك على مدى عقود من الزمن، بينما الفئة الأخرى، فهي ليست قليلة العدد أو تنقصها الذخيرة الفكرية، وإنما تفتقر الى قرار سياسي يدعم فكرها ورؤاها في معالجة الغلو والتطرف الديني.

فبدلاً من تصريح يلامس الواقع والتطورات الأخيرة من قبل رئيس مركز الوسطية عبدالله الشريكة، قام بسرد ممجوج لبرامج المركز وانجازاته، وهذا يؤكد أن مركز الوسطية ممثلاً برئيسه لا يملك الحجة في التحليل العلمي والعملي المعمقين برؤية واضحة لعملية اقتحام تنظيم داعش الإرهابي للساحة الكويتية مجدداً واستهداف التنظيم لشريحة اجتماعية بانتقائية شديدة ودقيقة.

لم نكن نفزع لهول وقوع هذا الاختراق الارهابي مجدداً في #الكويت، لسبب بسيط، وهو الجزم القاطع لدى وزارة الأوقاف تحديداً بخلو الساحة الكويتية من المتطرفين وجماهير التنظيمات الارهابية، بالاعتماد على أدوات ووسائل تقليدية في تقييم نجاح برنامج «التحصين»، الذي يعتمد على عمل انتقائي في مواجهة الغلو والتطرف الديني، فضلا عن قراءة موجهة لمعطيات تتلاقى منهجاً وسياسةً مع رؤية ضيقة ومنحازة لمركز الوسطية وقيادته.

فجرياً على عادة تبادل الأدوار بين قياديي وزارة الأوقاف والسياسة الانتقائية لمركز الوسطية، فقد أغلقت الوزارة أبوابها وآذانها وعيونها عن تيارات فكرية شتى ومؤسسات مدنية غير الدينية المتحزبة، بينما الشراكة المجتمعية تقوم على جميع أفراد المجتمع من فنانين وموسيقيين وأدباء وإعلاميين ومفكرين شتى باعتبارهم مؤثرين في صياغة الرأي العام والتكوين الثقافي والفكري.

لكن المعضلة الاساسية تكمن في العقلية التي تسيطر على عمل مركز الوسطية منذ انشائه ومؤتمرات جمع الشمل التي تعقد خارج الكويت وبهندسة المستشار السابق للمركز السوداني الجنسية، كالمؤتمر الذي جرى في «شيراتون بيكادلي» في لندن من دون حضور شخصية بريطانية واحدة أو ممثل كنيسة، الذي كنت شاهداً عليه!

يستوجب تصدير حوار التسامح والوسطية الانفتاح على الآخرين وتوسيع قاعدة المشاركة في الكويت وخارجها، إلا أن الواقع برهن على أن الحوار جرى مع نفس الشخصيات الإسلامية، التي تحمل نفس النهج والفكر الديني لوزارة الأوقاف!

إن مواجهة التطرف والغلو في شتى الأديان، وفي مقدمتها التنظيمات المنضوية تحت عباءة الإسلام، هي مسؤولية جماعية ومجتمعية، وأي استثناء واجتهاد انتقائي يعني الفشل في تحقيق مواجهة فاعلة وناجعة لنوافذ ومصادر الارهاب الفكري، فنموذج الاختراق الأخير لجماعات داعش ليس سوى دليل قاطع على وجود شرائح وفئات بيننا وحولنا بعيدة كل البعد عن برامج وخطط مركز الوسطية، وهو جرس انذار أمني وسياسي وديني حديث.

من المهم للغاية في هذه المرحلة، وبعد التطورات الأخيرة، أن يتخذ رئيس مجلس الوزراء موقفاً حاسماً وحازماً من استمرار جنوح سياسة الوسطية، فقد كفانا ما دفعته الكويت وشعبها من كلفة سياسية وأمنية على الكويت والمنطقة ككل.

توالى التجاذب السياسي في توارث وزارة الأوقاف من قبل جماعات حزبية دينية، فما هي الحال اليوم والوزارة بقيادة الوزير والنائب المحلل عيسى الكندري ذي الخبرة الشعبوية؟!

قالها المتنبي: أغَايَةُ الدّينِ أنْ تُحْفُوا شَوَارِبَكم يا أُمّةً ضَحكَتْ مِن جَهلِها الأُمَمُ.