ابتهج مواطنو دول مجلس التعاون برأب الصدع والمصالحة الخليجية للوقوف صفا واحدا في وجه التحديات السياسية والاقتصادية الكبيرة التي تشهدها المنطقة، ومن ثم التركيز على التنمية والنهوض بشعوب دول المجلس تحقيقا للرؤى الطموحة التي رسمتها تلك الدول، كأهداف استراتيجية تسعى إلى تحقيقها قبل عام 2030. وعقدت القمة في دورتها الـ41 في العلا - شمال غربي المملكة، بدعوة من خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز - حفظه الله -، ومشاركة قادة الدول الأعضاء في المجلس. ولا شك أن هذه القمة الاستثنائية خطوة رائعة للمحافظة على مجلس التعاون الخليجي الذي سيحتفل بعيد ميلاده الـ40 خلال هذا العام.
وتتميز هذه الدول بمجتمعات فتية، يمثل الشباب فيها نسبة كبيرة، ويصل عدد السكان في هذه الدول نحو 60 مليون نسمة، معظمهم "أي نحو 60 في المائة" في السعودية وحدها، ويتوزع السكان بنسب متفاوتة بين بقية دول المجلس. وعلى الرغم من الحجم السكاني الصغير نسبيا لدول المجلس، الذي لا يصل إلى 1 في المائة من سكان العالم "0.75 في المائة فقط"، فإنها مجتمعة تتمتع بثقل اقتصادي كبير، إذ يمثل الناتج المحلي الإجمالي فيها نحو 1.87 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، أي بما يعادل 58 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي للدول العربية مجتمعة. وهذه القوة الاقتصادية لا يستهان بها، إذا ما علمنا أن الناتج المحلي الإجمالي لروسيا يصل إلى 1.94 في المائة، علما بأن النسر الجريح "الولايات المتحدة" يحظى بنصيب الأسد من بين دول العالم، إذ تستحوذ على نحو ربع "24.25 في المائة" الناتج الإجمالي العالمي، ما يعكس تأثيرها في الاقتصاد العالمي.
ومن حكمة القيادات الرشيدة في دول المجلس أن اتخذت قرارا شجاعا بنبذ الخلافات، والعمل يدا واحدة نحو تحقيق أهداف استراتيجية موحدة تهدف إلى خدمة دول المجلس في عالم يموج كالبحر الهائج الذي لا قرار له، فمن يكون صديقك اليوم، قد لا يكون كذلك في المستقبل، لأن المصالح هي التي تحكم العلاقات الدولية، وليست المشاعر!
ولا يوجد شك أن دول المجلس ستستفيد من هذه الأزمة المؤلمة التي تجاوزتها - بحمد الله -، في تعميق العلاقات والتركيز على ممكنات لمستقبل أفضل وأكثر استقرارا. وهذا يتطلب تعزيز دور مجلس التعاون، من خلال وضع استراتيجية موحدة ترسم الخطوط العريضة للسياسات الخارجية للدول، وتهدف إلى التكامل لضمان تنمية مستدامة في دول مجلس التعاون التي تواجه تحديات كبيرة تتعلق بتأرجح أسعار النفط، وخطورة الاعتماد على هذا المورد الواحد، إلى جانب الفقر المائي الذي تعانيه جميع دول المجلس دون استثناء، ولا يقل عن ذلك أهمية الخلل في التركيبة السكانية الذي ينبغي ألا يستهان به. لذلك، من المقترح وضع أهداف استراتيجية مشتركة لمواجهة هذه التحديات، تنطلق من رؤية بعيدة المدى، تتضمن تسهيل تنقل العمالة بين دول المجلس، وإنشاء معهد متقدم للتدريب على مهن المستقبل، ومعهد آخر للدراسات المتقدمة في الاستدامة التنموية يتخصص في الطاقة الشمسية وتحلية مياه البحر، وكذلك السعي إلى التكامل وليس التنافس الصناعي، إلى جانب العودة إلى المشاريع الخليجية الطموحة التي أقرتها دول المجلس في الماضي بعد إعادة دراستها وفق المتغيرات الجديدة في التقنية، ونحوها.