"بريكست أسوأ قرار في التاريخ الحديث"
اللورد مايكل هازلتاين، نائب رئيس وزراء بريطانيا الأسبق
لا يعني إتمام عملية انسحاب بريطانيا من الاتحاد الأوروبي "بريكست"، أن الأزمة التي تجاوز عمرها أربعة أعوام انتهت. صحيح أن المملكة المتحدة خرجب نهائيا من هذه الكتلة الضخمة، لكن الصحيح أيضا، أن هناك ثغرات لا تحصى في اتفاق الخروج، فضلا عن تفسيرات متضاربة لبنوده، ووجود حالة من عدم الثقة بين المفوضية الأوروبية والحكومة البريطانية. فهذه الأخيرة أظهرت لشركائها الأوروبيين السابقين عدم اكتراثها بمستقبل العلاقة مع أوروبا، ولا تهتم إلا بالخروج بأي ثمن كان. وهذا طبيعي بوجود حكومة لم تكن لتصل إلى السلطة في بريطانيا، لولا تعهدها بإتمام "بريكست"، خصوصا أن من يقود هذه الحكومة، هم أنفسهم الذين قادوا حملة الخروج التي سبقت تصويت "بريكست" الشهير في عام 2016.
المشكلة التي تواجهها المملكة المتحدة حاليا تكمن في تفسير الاتفاق، دون أن ننسى، أن حكومة بوريس جونسون ضحت بسيادة بلادها عندما وافقت - ضمن الاتفاق - على وضع حدود ضمن حدودها، فقد صارت هناك حدود بين الجزيرة البريطانية وإيرلندا الشمالية التابعة لها. وهذه النقطة خصوصا تدفع المناوئين لجونسون وحكومته لمواصلة الهجوم على الحكومة، واعتبارها أنها أتت باتفاق نال من السيادة الوطنية. وهذا صحيح أيضا، ولا سيما أن إقليم جبل طارق البريطاني، حصل هو الآخر على معاملة خاصة نزعت بصورة أو بأخرى سيادة المملكة المتحدة عليه. حتى إن اسكتلندا نفسها طالبت بمعاملة خاصة لها ضمن الاتفاق، مع تأكيدها أن سكانها صوتوا بأغلبيتهم لمصلحة البقاء في الاتحاد الأوروبي. إلا أن هذا الأمر ليس سهلا على الإطلاق.
وبعيدا عن التوتر الذي ما زال يسود بريطانيا من جراء "بريكست" وتداعياته ومستقبله، فالاتفاق الذي تم بين لندن وبروكسل يتضمن كل عناصر الخلافات المستقبلية بين الطرفين، لأنه ليس واضحا، رغم أن الوقت الذي استقر للوصول إليه كان طويلا ومتعبا في آن معا. وما كان هذا الاتفاق ليمر على نواب مجلس العموم البريطاني، لولا انتهاء المدة المحددة للتفاوض، التي تم تمديدها عدة مرات، فضلا عن انشغال المملكة المتحدة - كما بقية العالم - بتداعيات تفشي وباء كورونا المستجد. ولأن أمر الاتفاق بهذه الصورة المضطربة، فإن شبكة اللجان الجديدة ومجموعات العمل وجهات التحكيم المختصة، تتحدث عن إمكانية عودة المفاوضات مجددا بين الطرفين، خصوصا مع وجود غموض واسع في بنود ولوائح الاتفاق المشار إليه.
وثيقة الاتفاق التي بلغ عدد صفحاتها 1255 صفحة، طرحت أسئلة لم تكن متوقعة خلال المفاوضات. وهذا يعني أن على لندن وبروكسل، ليس تفسير الاتفاق فحسب، بل ربما العودة مجددا لمحادثات لا يريدها أحد. والميادين الغامضة كثيرة تشمل ضمن ما تشمل المؤهلات المهنية، وحقوق العمل واللجوء، والخدمات المالية وغيرها. وهذه الأخيرة تعد أكثر محورية من غيرها، لأن عوائدها توفر للخزانة العامة البريطانية أكثر من 100 مليار دولار سنويا، فضلا عن تكريس سمعة لندن المدينة الأكثر تمتعا بالثقة على الصعيد المعاملات المالية، يضاف إلى ذلك، أن العاصمة البريطانية تعد المركز الأهم على صعيد المقاصة في العالم، ويتم فيها إجراء معاملات مالية لحساب المصارف الأوروبية تصل إلى 2.5 تريليون يورو يوميا.
والمثير هنا، أن نص اتفاق "بريكست" يضم أكثر من 244 إشارة إلى هيئات تحكيم مختصة، ما يعني أن الطرفين الأوروبي والبريطاني يعرفان سلفا أن الخلافات بينهما ستحدث في تطبيق الاتفاق وتفسير لوائحه وبنوده. في حين أن هناك 170 إشارة إلى ما أطلق عليه مجلس الشراكة، وهي لجان أو هيئات ستقوم بمهمة تسوية الخلافات. أي إن أدوات حل الأزمات بين الجانبين حاضرة بقوة وبصورة لافتة في صفحات هذا الاتفاق التاريخي، الذي يعده المعارضون لـ "بريكست" هشا، ولم يوفر لبريطانيا أي فوائد عملية. بل هناك من يعتقد أن وجود المملكة المتحدة ضمن الاتحاد الأوروبي أقل خسارة من وجودها خارجه. كل هذا يعزز الاعتقاد أن المفاوضات المستقبلية ستشكل سمة الأشهر القليلة المقبلة، وهذا يعني أن خلافات محتملة قد تظهر فيها، وقد تؤثر سلبا في اتفاق تدور حوله الشكوك أصلا.
لن تنتهي قضية خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي بسهولة، وقد لا تنتهي على الإطلاق، في ظل تنامي تيار بريطانيا أطلق على نفسه إعادة الانضمام أو Rejoin يقوده اللورد مايك هازلتاين نائب رئيس الوزراء السابق المعروف بتشدده في معارضة "بريكست". هذا الأخير وصف انفصال بريطانيا، بأنه أكبر خدمة لألمانيا التي تستطيع الآن تحقيق تطلعاتها السيادية الأوروبية سلميا بعدما كانت في عهد الزعيم النازي أدولف هتلر تريد الوصول إليها عن طريق الحرب. اتفاق "بريكست" سيتم تفكيكه من قبل الموقعين عليه، بسبب الخلافات الناجمة عن التفسيرات المتضاربة، فضلا عن عدم وجود الثقة بين حكومة بريطانيا وبروكسل، ما سينشر الفوضى وربما الضغينة على طرفي بحر المانش، الذي يجمع المملكة المتحدة بشركائها الأوروبيين السابقين.