في اختلاف عن الديمقراطيات الأوروبية لأمريكا خصوصية سياسية أحد جوانبها فرصة وصول أشخاص دون تجربة سياسية، إلى الرئاسة، في العصر الذي شهدناه لم يكن ترمب الأول فقد سبقه كارتر وربما أوباما، خصوصية أمريكية تدل ربما على المرونة التجريبية الأمريكية التي تحدث عنها الفيلسوف الأمريكي وليم جميس وسياسيا على قوة السلطات القضائية والتشريعية، لكن الوجه الآخر لها وصول أناس يشك كثيرون في كفاءتهم. لكن الرئاسة ليست كل شيء في منظومة متماسكة ومجربة دستوريا، كما أن فكرة المجمع الانتخابي حمت أمريكا من اختطاف الانتخابات إقليميا أو عرقيا، وبالتالي استمر الكيان في ظل نظام رأسمالي بدأ من بعد إصلاحات روزفلت للكساد الكبير في تجاذب فريد بين الرأسمالية ودور الحكومة المتردد أحيانا. لكن لا تستمر قواعد اللعبة للأبد.
منذ الثمانينيات بدأت الإنتاجية تتراجع واستفحل الدور المالي على حساب الاقتصادي، وما كادت أمريكا تهضم التحدي الاقتصادي الياباني حتى بدأت الصين في تحد نوعي وليست الصين الوحيدة المقبلة صناعيا. زاد على ذلك تغير معتبر في التركيبة السكانية إذ وصلت الأقليات إلى نحو 35 في المائة من السكان - رقم مؤثر انتخابيا. أدت العولمة الاقتصادية ومن خلفها العوامل التي ذكرت آنفا إلى انقسام إقليمي وسكاني، فمن ناحية تقلص دور ولايات الجنوب والغرب الأوسط الصناعية، وازداد دور الولايات التي لديها ميزة في الصناعات المعلوماتية والمالية. أحد إفرازات العصر الجديد دور التسهيل الكمي في نقص المساواة. فمثلا حتى مع الضرائب ضد الصين والتحفيز المالي ارتفع العجز التجاري مع الصين. عوامل جعلت أمريكا في بيئة مزعجة لكثير من البيض، عبر عنها تعاطي المسكنات وارتفاع نسبة الانتحار وتشنج ضد المهاجرين والأقليات. ترمب استفاد من الموجه ولم يحدثها لكن ربما الرسول الخطأ لقضية موضوعية.
لعل السؤال اليوم بين الرهان على استمرار الخصوصية والتفرد الجيوستراتيجي بما في ذلك مركزية الدولار من ناحية وضغط العوامل الآنفة تراكميا إلى حد الوصول إلى نقطة تحول من ناحية أخرى. في مدار سياسي منخفض التجاذب سيكون بين مثالية الديمقراطيين وقدرة اليمين المحافظ على دور جديد. ربما الحل قصير الأجل الذي عبرت عنه إدارة بايدن سيكون شمولية مالية جديدة من خلال برامج ضخمة لتحديث البنية التحتية المتهالكة، يتحدث عنها الأمريكان منذ نهاية السبعينيات، وبرامج دعم مالي ضخمة، لكن ليس هناك غداء مجاني، ارتفاع الديون من خلال طباعة أموال دون ارتفاع الإنتاجية لا بد من أن يصل إلى نقطة انعطاف في مرحلة مقبلة. لن أقدم تنبؤات على موضوع بهذا التعقيد. لكن أجدها ربما من السخريات التاريخية بين الظرف الحالي في أمريكا وتوقعات فرانسس فوكوياما. الأغلب أن تكون حالة عابرة، لكن من المبكر معرفة المسارات والسياقات الجديدة لكنها تستحق المتابعة.