لو استعدنا الآن الآمال التي خطرت على بالنا ونحن نودع العام المنقضي ونستقبل العام الجديد، هل نجد أنها اختلفت كثيراً عن تلك التي تمنيناها في الأعوام السابقة؟ ألم نبق في ذات دائرة التفكير ننشد الأشياء نفسها؟ حتى لو كان بعضنا حقق بعض أمنياته، لكننا، في الغالب، لا نبارح المكان نفسه من التمني، ولا نجرؤ على الخروج من «المألوف»، ونجترح أفكاراً جديدة غير مألوفة.
سيقول قائل: ولكن أمنياتنا في رأس السنة المنقضية مختلفة في أمر جوهري واحد، هو أن تنجلي غمة «كورونا» التي عصفت بالعالم وخطفت أرواح الكثيرين حولنا وفي العالم كله، وبينهم أقارب وأحبة لنا، وبالتالي فإن أمنية بهذا الحجم تصغر معها كل الأمنيات الأخرى، مهما كانت جذابة أو مهمة، فليس هناك ما هو أغلى من الصحة، أو في كلمات: دعنا نعيش أصحاء أولاً، وبعدها «يحلّها ألفُ حلّال».
قول صحيح، لكننا نتفق على أن هذا شأن عام، بل شأن كوني، يعني البشرية جمعاء، وعلى كونيته فإنه لا يلغي الآمال والمشاريع الخاصة بكل منا. وهذا محل نقاشنا.
الغالب هو أن الناس يشعرون بمقادير كبيرة من الاطمئنان والراحة في اتباع المألوف، يجتازون طرق الحياة التي ألفوها، ويفكرون بالطريقة التي اعتادوها، ويسمعون نوع الموسيقى الذي يجذبهم، وعليه نشأت وتدربت ذائقتهم، يشاهدون أفلاماً للمخرجين والممثلين الذين يحبونهم، ويقرأون كتب الكتّاب الذين يعجبونهم وهكذا.
حتى التنويع الذي نحسب أننا نفعله في اهتماماتنا ومشاغلنا وعاداتنا، لا يخرج عن دائرة المألوف، فنحن نسمع أغاني لمطربين ومطربات كثر، وبالمثل نشاهد أفلاماً مختلفة، ونقرأ كتباً عدة، ونتصفح أكثر من موقع على الشبكة الإلكترونية، لكن لو فكرنا ملياً في الأمر لاكتشفنا أواصر القربى بين كل ما نفعل ونشاهد ونقرأ، وسنجد أنها لا تخترق الطوق الذي نشأنا فيه وشكّل شخصياتنا، وبات من المتعذر علينا الخروج منه، باتباع ما يعرف أحياناً ب «التفكير خارج الصندوق»، فنحن لا نبارح هذا الصندوق، مهما توهمنا أنه رحب.
علماء نفس يقولون إن من تجاوز الثامنة والعشرين من عمره وهو لم يستسغ سماع موسيقى معينة، ولنقل إنها موسيقى «الروك» مثلاً، سيكون متعذراً عليه التآلف معها بعد ذلك ودخول أجوائها حتى لو جرب سماعها، ومن لم يأكل وجبة «سوشي» مثلاً حتى عمر معين، لن يكون سهلاً عليه تذوقها فيما بعد، والشعور بأنها لذيذة فعلاً كما هي بالنسبة لمن اعتاد أكلها منذ طفولته.
نحن نختفي في ما يشبهنا ويسرّنا، ونهاب ما هو سواه.