كرئيس لأقوى دولة في العالم، هل يصح وصف ترامب بأنه ضحية الدولة العميقة في الولايات المتحدة الأميركية، بعد عدة أحداث متتالية آخرها إغلاق جميع حساباته على مواقع التواصل الاجتماعي؟
لا حاجة لاستقراء الأحداث الجارية في أميركا (ظاهرياً)، كونها أحداثاً تقع أمام شاشات التلفزة العالمية، سواء أكانت مسرحيات مدبرة، أم كانت واقعاً حقيقياً يؤشر إلى ما آلت إليه أكبر ديمقراطيات العالم، ولكن الأهم من ذلك كله هو مصير الحريات في ظل هذا الاحتقان وعزل رئيس أكبر دولة في العالم عن التواصل بأي وسيلة إعلامية أو اجتماعية، وإغلاق كل دروب التعبير وحرية الرأي أمامه!
تلتهب الأحداث في الولايات المتحدة، وستظل ملتهبة حتى 20 يناير الجاري، يوم تنصيب جو بايدن رئيساً للبلاد، في ظل تشكيك من قبل ترامب وبعض «الجمهوريين» بنتائج الانتخابات. وقد تستمر الأحداث في تصاعد حتى بعد حفل التنصيب؛ جرّاء المواقف المتعارضة من جانب الحزبين «الديمقراطي» و«الجمهوري». ففضلاً عن واقعة اقتحام أعرق مؤسسة دستورية، أي مبنى الكونغرس، أثناء المصادقة على فوز بايدن، والتصريحات الحادة لترامب قبلها، فإن التهديد بعزل الرئيس قبل انتهاء ولايته لا يبشر بانتقال هادئ للسلطة، كما كان يحدث دائماً في تاريخ أميركا وديمقراطيتها التي طالما كانت «النموذج» للكثيرين في العالم.
الرئيس ترامب الذي ستنتهي ولايته بعد أيام، حقق الكثير من الإنجازات دون أن يزج ببلاده في حرب واحدة، خلافاً لبعض مَن سبقوه، منذ الرئيس آيزنهاور في ستينيات القرن الماضي وحتى باراك أوباما (2008-2016). ومن ناحية الاقتصاد الأميركي، فقد صعد منذ أربع سنوات بمعدل نمو سنوي بين 3 و4%؜، مع خفض كبير لنسبة البطالة وتقليص للضرائب، وإعادة مئات الشركات ورؤوس الأموال من الصين إلى الولايات المتحدة، مما خلق ملايين الوظائف للأميركيين. وعلى مستوى السلام، فقد شاركت إدارة ترامب في أربع اتفاقيات سلام في الشرق الأوسط، وهو ما لم تستطع سبعة عقود من الجهود الدبلوماسية والسياسية والحروب العسكرية إنجازه، علاوة على أنه خلّص العالم من أكبر مطلوبين هددا السلم العالمي، هما: «أبو بكر البغدادي» ‏و«قاسم سليماني».
إن كل ما سبق يدعو للتفكير ملياً في مصير الحريات المزعومة، طالما هذا هو حال رئيس الولايات المتحدة، لمجرد أنه خالف نهج سادة الدولة العميقة في أميركا، بل يجعلنا نجزم بأن الدولة العميقة وأصحاب القرار الخفي هم أباطرة المال وسادة العالم الرقمي الذين يتحكمون بالقرار السياسي العالمي، لدرجة عزل الرموز السياسية وسجنهم افتراضياً، كما حدث مع الرئيس ترامب وبعض أعضاء حكومته بإغلاق كل منصات التواصل في وجوههم، بل وتحريك القضايا ضدهم بأثر رجعي. فمحكمة نيويورك مثلاً تنظر في قضية أحقية ترامب، باعتباره مسؤولاً، في حظر متابعين أميركيين له على منصة تويتر! والمؤسف حقيقةً أن هؤلاء الأباطرة يتحكمون بالعالم أجمع وليس حزب اليمين الأميركي وإدارة ترامب فحسب. هذا، مع العلم أن شركة تويتر تكبدت خسائر كبرى في يوم واحد فقط (الاثنين 11 يناير الجاري) بعد أن فقدت أكثر من خمسة مليارات دولار من قيمتها السوقية، إثر إغلاقها حساب ترامب الذي يحظى بمتابعة ما يصل إلى 89 مليون متابع. وهبطت أسهم الشركة 12% من قيمتها.
فهل بعد هذه الأحداث مجال للإيمان بالديمقراطية وحرية الرأي المزعومتين، سواء في وسائل التواصل الاجتماعي مثل الفيسبوك وتويتر، أم في وسائل الإعلام بشكل عام؟ أتساءل، رغم اليقين التام بأن كل ما يحدث لن يغير تعاطينا في الخليج العربي مع أي إدارة أميركية، سواء أكانت جمهورية أم ديمقراطية، فمَن مد لنا يداً مددنا له الاثنتين، ولا شيء يشغلنا سوى السلام والاستقرار والتنمية في المنطقة.