هل تختلف الإدارة باختلاف المجال أو النشاط؟ عند الحديث عن اختلاف الإدارة، نعني بذلك فلسفة الإدارة المعمول بها، أو الفلسفة التي يعتمدها مدير المنظمة أو المنشأة من حيث كونها مدنية أم عسكرية، ومن حيث كونها منشأة كبيرة أم صغيرة، منتجة أم خدمية ذات طبيعة عامة، أي تقدم إنتاجها أو خدماتها لكل الناس، أو محدودة في فئة معينة لها ثقافة خاصة وظروف خاصة. وهل المنشأة تعمل طوال العام أم أن عملها محدود في مناسبات معينة؟ وهل خدماتها مرتبطة بجغرافيا محددة؟ أم أن جغرافيتها واسعة النطاق؟ هذه الأسئلة وغيرها، كثيرا ما ترد إلى ذهني وأنا ألاحظ أداء المنشآت ومنسوبيها.
لا شك أن فلسفة المنشأة، أو فلسفة قائدها، ذو أهمية كبيرة في نجاحها أو فشلها، ففلسفة العمل الإداري المرن وتفويض الصلاحيات للعاملين كل حسب دوره، يصنع مناخا من الأريحية والتآلف والثقة بين القائد ومرؤسيه، ما يشعرهم بقيمتهم في المنشأة ومن ثم إخلاصهم وتفانيهم في العمل، كما أنه وبلا شك يوجد اختلافا واضحا بين المنشأة العسكرية والمدنية، فأدوار منسوبي المنشأة العسكرية عموما، وظروف المفاجآت، تفرض نمطا إداريا تتحقق فيه الدقة وشيء من الصرامة وسرعة الإنجاز، حسب ما يقتضيه الموقف والظرف. ومع أن القطاع المدني يتطلب الدقة، إلا أن الصرامة قد لا تكون مطلوبة كما في القطاع العسكري.
المتداول، والمعروف عند عامة الناس، نوعان رئيسان هما الإدارة العامة، وإدارة الأعمال التي يتبادر للذهن ارتباطها بشكل أوثق في القطاع الخاص، لكن هذا قد لا يكون دقيقا إذا ما أخذنا في الحسبان وجود منشآت حكومية تتطلب سرعة إنجاز، وقدرة على التصرف بحكمة تحل المشكلة، فعلى سبيل المثال خدمات المطارات في الأغلب لعامة الناس، والمطارات الكبيرة تقلع وتهبط فيها مئات الرحلات، ما يستوجب إدارة فاعلة، ومرنة، ودقيقة، وحاضرة للوقوف على كل ما يمكن أن يطرأ، خاصة مع الزحام، أو تأجيل الرحلات، وتكدس المسافرين، أو تعطل النظام ما يربك المسافرين، ويجعلهم في حيرة إذا لم يجدوا من يتعامل معهم، ويبين لهم المشكلة، ويجيب عن تساؤلاتهم، وهذا لا يتحقق ما لم يكن العاملون في المطار في المواقع كافة ومختلف المستويات، مدركين ومقدرين حالة القلق والتوتر لدى المسافرين.
المستشفيات بدورها تحتاج إدارة متخصصة، تشعر بشعور المرضى، وتجعل خدمتهم وطمأنتهم قمة اهتماماتها، فإجابة مريض عن سؤاله وإرشاده إلى مكان عيادته، وشرح الطبيب له بما يتناسب مع حجم القلق الذي يعتريه، وشعور المريض بالاهتمام بوضعه، ذو قيمة معنوية كبيرة تقع كالبلسم على قلبه. إن مرتادي المستشفى على تنوعهم العمري، ومستوى ثقافتهم، ونوع اللغة التي يتحدثونها، ونوع المرض والشكوى، كلها أمور تجعل من إدارة المستشفيات تخصصا قائما بذاته لا يمكن الخلط بينه وبين أي نوع من أنواع الإدارة الأخرى. ومن المواقف التي عشتها، حالة طارئة لضيف جاء من الرياض نقلته على أثرها لطوارئ في أحد مستشفيات الرياض، وبقي المريض أكثر من ساعة في الممر لم يباشر حالته أحد. وهذه الحالة تمثل نموذجا إداريا غير مثالي.
الأحداث الطارئة والكوارث تمثل نموذجا بارزا لمواضيع تحتاج إلى إدارة متميزة بعيدة عن الروتين، والبيروقراطية، وتتسم بالشجاعة، ومن دون هذه الخصائص قد تتفاقم الأزمة، ويكثر عدد الضحايا، والمتضررين، وكم سمعنا وقرأنا عن حالات ارتفع فيها مستوى الأضرار، نظرا إلى سوء الإدارة، نتيجة التردد، وضيق الأفق، وافتقاد الصلاحية لمن هو في الميدان، ويفترض فيه التعامل مع الموقف بما تقتضيه المصلحة، لكن ربط القرار بقنوات عدة يلزم العمل وفق تراتبية تزيد من الوقت، ويحدث الإرباك، ويفاقم الخسائر البشرية والمادية.
وتبرز خصائص الإدارة المتخصصة في حسن التعامل، وجودة العمل وفق قواعد العمل المعتبرة في المجال وبما يقتضيه الموقف دون تأخير أو تردد على مستويات المنظمة كافة.