قبل أسابيع، قال وزير الخارجية الأمريكي الحالي مايك بومبيو: «يجب أن نكافح ضد العبودية الجديدة». هل هي رسالته الأخيرة، هل هي آخر وصاياه، ماذا يقصد الوزير الأمريكي الثالث على سلم الحكم الأمريكي، وأي تحذير ذلك الذي أطلقه، هل بالفعل هناك خطورة لا نراها، وعبودية بدأت تتشكل في أفق البشرية؟

لا شك أن بومبيو ليس مسؤولا عاديا ليطلق ذلك التحذير للاستهلاك المحلي، لكنه يمثل طيفا واسعا ليس في أمريكا فقط بل وفي العالم، يرى أن تغول شركات التقنية وتحكمها في أصول الحياة البشرية هو طريق لعبودية جديدة، للحد الذي أصبحنا فيه مقيدين دون وعي منا بكل منتجاتها.

ربما لم يستخدموا السلاسل والأغلال، وربما لن يضرب العبيد بالسوط كما كان يفعل في السابق، ستكون عبودية ناعمة، إذ ستتم محاصرة من يُستعبد ويرفض أوامر الأسياد، سيتم اغتصاب حقوقه وتجريده منها واغتياله معنويا حتى يصبح بلا أرضية يقف عليها، سيتم تجويعه وإفقاره لأن شركات مثل أمازون ربما ترفض أن تبيعه احتياجاته، وستفعل شركات الأدوية والغذاء والتقنية مثل ذلك.

نحن اليوم -كما يتخوف بومبيو- أمام مجلس إدارة جديد للعالم، يتكون من ملاك إمبراطوريات مالية عظمى وليس من دول عظمى كما عرفتها البشرية، ليس لديهم الحد الأدنى من الخبرة السياسية في التعامل مع البشر، لكن لديهم المال والإرادة والتقنية، التي انفردوا بها لوحدهم فشكلوا «عصابة» متطرفة تريد السيطرة وإمضاء مشيئتها على العالم.

بالطبع سيكون للفنون والإعلام دورهما الرئيس، فمن يحاول الحياد أو أخذ مسار مناوئ سيقوم الإعلام باغتياله وتشويهه وتحريض الحكومات والشعوب ضده، سيتم التحكم في العقول وتوجيهها كيفما يريد سادة العالم الجدد.

أما الفنون والأفلام والمسلسلات التي تنتجها نت فلكس وهوليود وابل تي في، فقد بدأت وضع معاييرها الخاصة ذات الطابع اليساري الأكثر انحلالا، وتريد من البشرية أن تسير عليها، فالجنس والمخدرات والشذوذ وإباحة المعاشرة بين الرجال والرجال والنساء والنساء يتم تسويقها وفرضها بالقوة في وجدان المشاهد.

لا شك أنها ملامح قوى هائلة بدأت في التوحش والانفراد والسيطرة على العمل والدراسة والتجارة وحتى العلاج، تحكم سيهدم كل ما بناه الإنسان من أعراف وقيم ومناهج حياة اجتماعية وسياسية عرفها واعتاد عليها طوال عشرة آلاف عام.

المتخوفون يرون أنه قد تم البدء فعليا في بناء نظام اجتماعي وسياسي جديد سيفرض على البشرية في المئة عام القادمة على الأقل، الخطير أن القائمين عليه يدعون للديموقراطية وحرية الأفراد، لكنهم في الوقت نفسه يفرضون قيمهم ومفاهيمهم بالقوة، وكل من يقاوم أو يعارض أو يرفض الخيارات الجديدة أو حتى يحاول الفهم فليس أمامه إلا العقاب الذي ينزله السادة الجدد، والذي سيكون أقسى وأصعب من تلك الديكتاتوريات التي عرفتها الإنسانية طوال تاريخها، ولربما تترحم البشرية يوما ما على هولاكو وهتلر وستالين.

قبل أسبوعين أيضا قال مسؤول أمريكي مرشح للإدارة الجديدة إن أمريكا ستدافع عن ما أسماه «القيم العالمية». لاحظوا كيف وصف الأنشطة والقيم المختلف حولها بأنها قيم عالمية، إذن هو يصف الشذوذ والانحلال وحرية الجنس واستخدام المخدرات والإلحاد قيما عالمية، لم تعد في وجهة نظره ومن وراءه قيما محلية تختلف عليها البشرية والأديان، أو اعتاد الإنسان السوي على رفضها، لقد وضعها المسؤول الأمريكي في مكانة عالمية سيقوم بالدفاع عنها وعن المؤمنين بها، ولنتخيل فقط كيف سيكون رد فعل المجتمعات المتدينة والمحافظة على ذلك التغول اللا أخلاقي الذي يسوقه «سادة العالم الجدد».