امتلك المصريون والبابليون والآشوريون القدماء قدراً من المعارف في علم الفلك والهندسة والرياضيات والطبّ والفلسفة، ومعظمها صنفت ضمن العلوم الخفية التي كانت متداوله بين كهنة المعابد أصحاب المعرفة. إن ما يميز هذا النوع من المعرفة عن معارف اليوم أنه متصل بالكون، أي كان ذا طبيعة كونية. حيث كان هناك ارتباط وثيق بين العلوم التي تحتوي على معلومات كونية كعلم الفلك وحساب الدورات الفلكية وعلوم الكيمياء والفيزياء والرياضيات بطبيعة الإنسان الروحية والجسدية والنفسية والعقلية.

عندما نستوعب فكرة أن الكون نشأ بتوافق كلي مع بنية الإنسان، وأن جوهر المعرفة التي تم تناقلها في الأزمنة الغابرة يرتكز حول التكامل بين الإنسان والكون، سوف يؤدي ذلك إلى انسجام وتكامل مع مفردات الطبيعة مع كل ما يحيط بنا في البيئة. فقد خُلق الإنسان ليتجانس مع مفردات الطبيعة، أي أن مبدأ التكامل والتجانس هو أساس الوجود وليس التناقض والصراع، فالكون والإنسان بنية واحدة خلقت لتعظم الخالق، «أَوَلَمْ يَرَوا إلى مَا خَلَقَ اللّهُ مِن شَيْءٍ يَتَفَيَّأُ ظِلاَله عَنِ الْيَمِينِ وَالْشَّمَائِلِ سُجَّداً لِلّهِ وَهُمْ دَاخِرُونَ وَلِلّهِ يَسْجُدُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مِن دَابَّةٍ وَالْمَلائِكَة وَهُمْ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ» (النحل: ٤٨-٤٩).

إن هذا الكون بني على تناسق وكل ما فيه متعلق بوجود أعلى وأسمى، وهو الله الخالق المبدع. والكون كله في حالة تناغم لذا يجب أن تعكس كافة العلوم التجانس بين الإنسان والكون. وإذا قرأ الإنسان بين دفة العلوم واستشعر بالفصل بينه وبين ما يتداوله إذاً هناك خطأ يجب تصحيحه، لأنها تتناقض مع طبيعة بنيته التي هي جزء من هذا الكون. هناك اعتقاد خاطئ بأن مستوى تقدم الحضارة يقاس من خلال إنجازاتها التكنولوجية.

إن الإنجازات الحضارية لا تكتمل في معرفة كيفية صناعة جهاز الهواتف الذكية أو الإنسان الآلي، الأمر الأساسي يكمن في العلاقات الإنسانية والمستندة إلى قاعدة معرفة الخالق. المقياس الحقيقي لتقدم الدول والحضارات يجب أن يقاس بمدى معرفة الخالق، فالإنسان العصري الذي جرد من هذه المعرفة الحقيقية والجاهل لعلاقته الصميمية مع الكون من حوله هو إنسان بدائي لا يستطيع فهم الغرض من بناء هذا الكون وخلقه. ربما يتطور ذكاء الإنسان في المستقبل بما يكفي لفهم حقيقي يؤهله لمعرفة الله.