هل تكره فلانا؟..

إذاً لو قضى حياته بين فقراء إفريقيا يبني الملاجئ ويحفر الآبار ويعالج المرضى لما سجّل عقلك هذا، ولكن لو ثارت شائعة واحدة غير مؤكدة عنه لأمسكتها مثل لبؤة أطبقت أنيابها على غزال! ستصر أنها دليل سوئه!

هذا ما يسمى بـ»انحياز التأكيد». عقلك يرى معلومات متنوعة ومتعارضة، فينحاز لما يُثبِت ويتوافق مع آرائه السابقة. مثل متعصب رياضي ينحاز لكل شيء له علاقة بفريقه من لون أو شعار أو تصريح أو موقف ويرفض أن يقر بأخطاء أو سلبيات أو تقصير، ولو أن اللاعب البارع في مثل هذا الفريق لطم طفلا بلا سبب فسيتحيز المتعصب له ويبرر فعلته ويصر أن الطفل استحق الضرب، إذا انتصر فريقه فإنه يتفاخر أن كفاءة فريقه وحرفيته العالية هي السبب، لكن لو خسر الفريق فإنه يلوم الحكم «المتحيز» أو أي عوامل أخرى.

انحياز التأكيد أسوأ ما يكون عندما يأتي في الكُتب والمصادر والبحوث، فحتى العلماء لا يَسلَمون منه، وإذا أراد مؤرخ أن يضع كتابا - مثلما أتى في كتب بعض المستشرقين - فإنه لا يكتبه وهو ينوي صراحة أن يتحيز ضدك أو ضد أي جهة معينة، إنه في عقله متجرد موضوعي لا متحيز، يكتب من أجل الحقيقة وفي سبيل العلم فقط، لا لكي يقدح أو يمدح أحدا، ولكن عملية اختيار المصادر التاريخية نفسها هي نوع من التحيز، فإذا أراد أن يتكلم عن القائد المسلم الفلاني مثلا اعتمد على كتابٍ شهير لكن كاتبه له ميول متحيزة. طبعا هناك من يفعل ذلك عمدا، لكن هنا نفترض حسن نية المؤرخ، فحينها حتى حسن النية لا ينفع، ويجد نفسه لاشعوريا ينتقي المصادر التي تؤكد وجهة نظره.

هذا التحيز الأعمى موجود في عقول البشر كلهم بلا استثناء، وتتفاوت قوته حسب وعي الشخص به، الأغلبية لا يشعرون به، ويرى الشخص أنه عندما يصدر حكما أو قرارا أو رأيا فإنه قائم على الموضوعية والمعلومات المجردة.. وكم هو واهم!.