كشفت نتائج الانتخابات البلدية في الغرب الليبي التّي تمّت في الأسبوع الأول من الشهر الجاري عن تحوّل بارز في مسار علاقة الليبيين بالإسلام السياسي، والتي يمكن وصفها بشبه مراجعة مجتمعية للأيديولوجيا الإخوانية، التي سيطرت بمنهجية مرسومة على الوعي الشعبي بعد الإطاحة بالقذّافي.

فالنتائج التي أعلنت عنها اللجنة المركزية للانتخابات البلدية، بالرغم من أن نسبة المشاركة فيها لم تتجاوز 35%، سجّلت انهزام لائحة «النَّخلة» الممثّلة للإخوان أمام لائحة البوصلة، وهي عبارة عن تمثيلية لشخصيات مستقلة، في بلدية زليتن التي شهدت أعلى نسبة في المشاركة الانتخابية البلدية بنسبة 41%، وانهزامها أيضاً في بلدية قصر الأخيار أمام لائحة الميزان، كما سقطوا في بلدية حيّ الأندلس، أكبر بلديات العاصمة طرابلس.

وللتذكير فإن اتّفاق الإخوان بعد تردّدهم في تصنيف المرشّحين إلى ثلاثة أصناف: صنف يمثل لائحة العامة، وصنف يُعنى بفئة ذوي الاحتياجات الخاصة، وآخر يشمل تمثيلية المرأة، جاء بعد تقديرات سياسية وحسابات تنظيمية أوهمتهم بالفوز، لأن هذه التقديرات جاءت نتيجة اعتقادهم الرّاسخ بنفاذ حشدهم الأيديولوجي الشامل الذي عمّ مختلف الفئات العمرية والطبقات الاجتماعية، لذلك لن يضيرهم في شيء، حسب زعمهم، الاتفاق على هذا التصنيف الثلاثي الذي يسهّل عليهم مأمورية التعبئة بحسب كلّ صنف.

اعتمدت منهجيَّة الإخوان في هذه الدورة الانتخابية على توظيف النعرات القبلية والتعصب الجهوي، والتشكيك في علاقة كلّ قبيلة أو جهة بالمخاطبين الأمميين الساعين إلى تحقيق الوحدة الوطنية، التي تمّ اعتبارها في المنظور الإخواني خيانة دينية ووطنية، كما اعتمدت هذه المنهجية على تمويه هوية مرشّحيهم باستقطاب شخصيات وأسماء غير منتمية إلى تنظيمهم في لوائحهم الانتخابية، بهدف تذويب النمطية المملّة لنفس مرشّحيهم الأيديولوجيين والسياسيين، والهدف من هذا «الانفتاح التمويهي».

وكان توسيع حجم الكتلة المصوّتة لضمان مَصدرين من الأصوات: مصدر القاعدة الإخوانية، ومصدر القاعدة الذاتية لهذه الشخصيات الجديدة التي تمّ اختيارها بحسب تأثيرها الاجتماعي والمالي، وهنا لا بد أن ننتبه إلى أن نهج هذا النوع من الانفتاح قد اعتمده الإخوان في مصر بقوّة قبل ثورة 30 يونيو، وهو الآن موضوع دراسة لدى حزب النهضة في تونس وحزب العدالة والتنمية في المغرب، كصيغة مغايرة للفوز في الانتخابات باعتبارها مرحلة محدّدة للسيطرة على الدولة.

لكن مفاجأة خسران الإخوان لبلديتي زليتن وقصر الأخيار، بعد اعتقادهم الرّاسخ بنجاعة التُّهم الانتخابية، جعلتهم يغيّرون من لهجتهم في الحديث عن الديمقراطية، مستبدلين إياه بخطاب المؤامرة والمظلومية، لذلك لجؤوا إلى الهروب إلى الأمام بممارسة كل أساليب التفرقة والتشكيك في المستقبل، كعرقلة إجراء الانتخابات البرلمانية والرئاسية، خوفاً من أن يتكرّر مشهد نتائج الانتخابات البرلمانية لسنة 2014، والذين انقلبوا عليها عسكرياً بدعم دولي، خاصة بريطانيا، إذ ثبت فيما بعد لدى هذه الدول، أمام تراكم الأحداث والمآلات السياسية في ليبيا، خطأ دعمهم وتداعياته السلبية.