ظهرت قُبيل الاحتفال بميلاد السّيد المسيح، والعام الجديد(2021)، جماعات تجوب مركز كربلاء، تُحذر مِن الاحتفال بهذه المناسبة. لأنها تُصادف ذِكرى وفاة السَّيدة فاطمة الزَّهراء(ت: 11هجرية)، وتدعو إلى إظهار الحزن، على (استشهادها)، ومثلما تُقرأ قصة مقتل الإمام الحُسين، أصبح لوالدته قصة تتلى بمناسبة (قتلها)، حسب ما يدعون. مع أنَّ هذا الادعاء يبطله مثل محمد حسين كاشف الغطاء(ت:1954) في كتابه «جنة المأوى»، كذلك نفاه محمد حسين فضل الله(ت: 2010)، وغيرهما كثيرون، وقد أبطل كاشف الغطاء الاحتفال السنوي الذي كان يقيمه العوام، المأخوذون بما تركته الفترة الصفويَّة، ومنه ما عُرف بـ«فرحة الزَّهراء» على أنها فرحت بقتل الخليفة عمر بن الخطاب(عُقود مِن حياتي).
كان الاحتفال بميلاد المسيح صاخباً، بإعلان الفرح والبهجة، مِن قِبل الشَّباب الكربلائي. نعم حصلت احتفالات ببقية الأنحاء العِراقيَّة، لكنَّ الاحتفال بكربلاء يلهمنا أشياء، منها خرق الحزن الدَّائم، فظلت معنية بالشّعار «كل يوم عاشوراء وكلّ أرض كربلاء»، كذلك كانت حصة الكربلائيين من إيغال الجماعات المسلحة الدِّينية بهم ليست قليلة، مِنها اغتيال الرّوائي علاء مجذوب(2/2/2019) بسبب نشاطه المدني ومنشوراته، وما زال صاحب كاتم الصَّوت طليقاً.
لا أجد، مثلما أسمع، أنَّ هذا الاحتفال كان مخططاً ومؤامرةً على الإسلاميين وحكمهم، بقدر ما كان عفوياً، رغبة بإيجاد الفرح المفقود، وسط حزن المدينة المركب، فالجماعات المسلحة، مِن دون إعلان، تُقيم حكماً عسكرياً خارج الدَّولة، تُمارس به الاغتيال علانيَّة. قال أبرز قادتهم لمجلسه الأمني، عبر تسجيل مصور، يُذكر بما جرى في «قاعة الخلد» 1979: «نُلاحق الرُّؤوس»! وبالفعل كان المغتالون والمخطوفون رؤوساً في الاحتجاجات.
ما يمكن الإشارة إليه أنّ الشَّباب الكربلائيين ليسوا خارج العالم، كي تبقى مدينتهم رمزاً للحزن والانطواء، وهم يعلمون أنَّ «الأحزان لا تُعمر الأوطان»، وهي المدينة التي كانت نابضة بالأدب والشّعر والغناء، ولقرون تُحيي حادثة الطَّف بشكل تلقائي، لكنّ ما يحصل الآن أن الأحزاب الدِّينية فرضت إرادتها على المدينة، بحجة الدّفاع عن قدسيتها، والجيل الجديد يريد حياة لا مقدسات بدوافع سياسية، ومعلوم أنَّ سخط كربلاء ضدهم يعني انقلاب عقر الدار عليهم، فأكثر مِن حزب ومنظمة إسلاميَّة باركت تأسيسها بجوار الضَّريح الحسيني!
تعددت أسماء كربلاء: الغاضرية، النواويس (مقبرة مسيحية)، وإلى جانبها مكان اسمه الحِير، المعروف بالحائر اليوم، مكان قبر الحُسين وأصحابه، ولقب «الحائري»، نسبة إليه. قيل أيضاً كان اسمها: نينوى، عمورا، الطف (الكليدار، تاريخ كربلاء. الطعمة، تراث كربلاء). أما أصولها الرافدينية فهي: «كور بابل»، و«كربا – أيلو»، ومعناها «قُرب الإله». كذلك فُسر اسم «كربلاء» بما حصل السَّنة(61 هجرية)، فقيل عندما نزلها الحسين نادى: «كرب وبلاء». وقولة الشَّريف الرَّضي (ت: 406ه) «كربلا مازالت كرباً وبلاء» مشهورة(بابان، أُصول أسماء المدن العِراقيَّة).
صاحب المشهد، بين دعاة الحزن على الزَّهراء والفرح بمخاض العذراء، تنشيط أحاديث رجال دين، بتفضيل فاطمة على مريم، مع أنَّ للأخيرة سورة في القرآن «مريم»، وجاء ذكرها نحو أربع عشرة مرة، وبأكثر ذُكرت مع وليدها، حتَّى ظهر المشهد كأنه مواجهة بين الزَّهراء والعذراء، عندما جردت الجماعات الدِّينية سلاحها تحت شعار الدِّفاع عن المقدسات. لكنّ الزَّمن قد تعدى الشّعار، لأنَّه مورس، منذ سنوات، لحماية الفساد والخراب، فليس لدى الشَّباب نيّة للتقليل مِن منزلة الزَّهراء، ولا تعنيهم الثّنائية بين السيدتين، إنما يعنيهم سلوك رافعي شعار الدِّفاع عن فاطمة، وهم يفسدون بدمائهم وثروات وطنهم؟!
أقول: عندما يُجعل مِن الدِّين وسيلةً للثراء والعبث بمصائر البلاد والعباد، «وما الدينُ إلا آلةٌ يَشهَرونها/إلى غرضٍ يقضُونه وأداةُ»(الجواهري، الرَّجعيون: 1929)، لا خيار لدى النَّاس سوى كسر حاجز الخوف وكشف المستور.