ـ “بلكونة” الجمعة، تُطل على كتاب، ليس لي من المقالة غير العناوين الفرعيّة الصغيرة، وعلامات تعجّبٍ، وبعض تقويسات!، وقفزات صغيرة حذرة!، ويا للغرور إذ أزعم بأهميتها!.
كتابنا اليوم: “مُحاورة ديكارت”. ترجمة مجدي عبدالحافظ. المركز القومي للترجمة “مصر”.
ـ قبل الذهاب إلى القطف، أوضّح: هذه هي المحاورة الوحيدة التي كتبها ديكارت: ثلاثة أشخاص، يتحاورون فيما بينهم، يشغلهم “البحث عن الحقيقة بواسطة النور الطبيعي”. والأشخاص هم: “إبيستمون” الذي يتمتّع بمعارف وعلوم سابقة!. و”بوليندر” الذي لم يدرس قطّ!. و”إيدوكس” الفيلسوف الذي هو بشكل أو بآخر “ديكارت” نفسه!.
هذه المحاورة التي كتبها “ديكارت” لم تكتمل!. ولم تُنشر إلا بعد وفاته بخمسين سنة!. وهي لذلك قصيرة جدًّا، لدرجة يصعب نشرها في كتاب دون إضافات وتعليقات وشروحات، قد لا يحتاج لها القارئ أصلًا!. أعتذر عن الإطالة، وإلى المقتطفات:
ـ الحبّ مثلًا:
أشياء عديدة نجعلها أكثر غموضًا عندما نريد تعريفها!.
ـ الشّكّ مُرتَكَزًا:
..، لأنّه من خلال هذا الشّكّ المُطْلَق، باعتباره نقطة ثابتة وغير مُتحرِّكَة، أريد أنْ أستنبط معرفة الله، ومعرفتك، وأخيرًا معرفة كل الأشياء الموجودة في الطّبيعة!.
ـ الشَّكّ في الشَّكّ:
“بوليندر”: سأتشكّك في كل شيء!.
“إيدوكس”: لكن هل تستطيع أن تتشكّك في شكّك، وتظلّ غير متأكّد من أنّك تشكّ أو.. لا تشكّ؟!.
ـ اقترِب.. وَاجِه:
بمساعدة نور ما خافِت وغير مؤكّد، ستظلّ خشيتك تُلاحقك إذا ما هربتَ منها، ولكن إذا اقتربتَ منها لتلمسها مثلًا، فلن تجد سوى هَبَاء وظِلال!، وفي المُستقبَل لن يضطرب عقلك في الظّروف المُماثِلَة!.
ـ المُسْبَق والضّريبة:
من يمتلئ بآراء وبأحكام سابقة، سيكون من الصّعب جدًّا عليه أنْ يثق في نور الطّبيعة وحده!،..، منذ زمن بعيد تعوّد على الخضوع للسُّلطة، عوضًا عن الاستماع إلى صوت عقله الخاص!. فهو يُفضِّل استجواب الآخرين، ووزن ما كتبه القُدامى أكثر ممّا يستشير نفسه!،..، منذ الطفولة اعتَبَرَ العقل كل ما لا يرتكز إلّا على سُلْطَة مُعلِّمِيه!، وهو يُقدِّم الآن سُلْطَته باعتبارها العقل!، ويريد أنْ يجعل الآخرين يدفعون الضّريبة نفسها التي دفعها فيما مضى!.
ـ أيها العالِم:
علمك ليس معصومًا تمامًا!.
ـ أيها المثقّف:
ليس ضروريًّا أن يكون الإنسان المستقيم “المثقّف” قد قرأ كل الكتب، أو درس بعناية كل ما تعلّمه في المدارس!، أكثر من ذلك: سيكون هذا عيبًا في تعليمه!،..، إذ إنّ لديه أشياء أُخرى يقوم بها في الحياة!.
ـ ورطة المعارِف الأولى:
..، معارف مُقتَبَل عمره ليس لديها سَنَد آخر غير ضَعف الحواس أو سلْطَة الأساتذة!،..، من المستحيل تقريبًا ألّا يكون خياله قد امتلأ بالأفكار الخاطئة التي لا حدود لها، قبل أنْ يستطيع العقل السّيطرة عليها!.
ـ اعتذار متأخِّر للآداب:
لا أستطيع أن أغفر خطأ آبائي الذين كانوا متأكّدين من أنّ الآداب تُضعف العقل!.
ـ ولا تَحُدّ:
معارف جيراني لا تُحدِّد معارفي!.
ـ الذّكاء:
الذّكاء مثله مثل رسّام ماهر، تمّ استدعاؤه ليُنهي لوحة خطّطها تلاميذ، لن يستطيع، على الرّغم من أنّه استخدم كل قواعد فنّه ليصحّح بالتّدريج خطًّا هنا أو خطًّا هناك!، ولكي يُضيف كل ما ينقُص، أقول: لن يستطيع أنْ يمنع بقاء أخطاء كبيرة!، لأنّه في مبدأ البداية الأولى قد صُمِّمَتْ بشكل سيّئ!،..، كما حُسِبَت النِّسَب بشكل سيّئ!.
ـ تهمة الحواسّ:
“بوليندر”: الحواسّ تخدعنا أحيانًا، إذا ما لم تكن في حالة طيّبة!، مثلما تبدو، مثلًا، كل الأغذية مُرّة الطّعْم لمريض ما!.
“إيدوكس”:..، لا تخدعك بلا علمك!.
ـ الشّكّ معرفة:
عندما يعرف الإنسان استخدام شَكّه بشكل مناسب، يُمكن أنْ يستنبط منه معارف يقينيّة جدًّا!.
ـ احذر:
من حالة الأمل الخائب الذي يعشق به بعض الذين لم يتخطّوا بعد مداخل الرّياضيّات!، بالفعل هؤلاء، بمجرّد ما تُعطي لهم خَطًّا ما ودائرةً ما، وتُعلّمهم ما الذي يعنيه خَطّ مُستقيم وخَطّ مُلْتَوٍ، يعتقدون أنّهم سيكتشفون تربيع الدّائرة وتضعيف المُكَعَّب!.