ماذا لو كان اختيار المدير أمرا خاصا بالموظف، هل كنا سنختار من نحب كأشخاص؟ أم نختار أصدقاءنا؟ أم نبحث عن مطواع سهل يمكن التأثير فيه؟ أم كريم يتجاوز التوقعات بعطائه وسخائه؟ أم ديكتاتور صارم يساعدنا على الانضباط بوضوح؟ ربما تختلف الإجابات لكن الأكيد أن هناك أولويات تستحق أن نقدمها عندما نفكر في المدير الأمثل الذي يلائم تجربة العمل التي نطمح إليها. لا يطمح كل الناس للظروف العملية والمهنية نفسها، هناك من يبحث عن الاستقرار والسلام، وهناك من يبحث عن العطاء الجزل والتوقعات الواضحة، وهناك من يبحث عن النمو في بيئة غنية بالتحديات والإنجازات. وبهذه الأهداف يمكن فهم الأولويات التي تستحق الاهتمام، وبناء على هذه الأولويات يمكننا تحديد المدير الأمثل الذي نبحث عنه.
لكن هناك سؤال منطقي: لماذا نتحدث عن اختيار المدير مع أن الموظف في الأغلب لن يختار مديره؟ فهو حتى إن اختار مكان العمل فلن يتمكن على الأرجح من معرفة سمات المدير الذي سيعمل معه قبل تجربة العمل اليومي معه. الجواب: إدارة التوقعات، عندما نصنع تصورا واضحا للشخصية الأفضل والواقعية التي نتمنى أن نتعامل معها ونعمل تحت إدارتها، فنحن نعزز من فهمنا للفروق التي نجدها على أرض الواقع، وبالتالي تتحسن إمكاناتنا في التعامل معها. العمل مع مدير لا أتمناه لكن أفهمه أسهل بكثير من العمل مع مدير لا أتمناه ولا أفهمه، والأفضل من ذلك، أن أتعرف إلى ما يعجبني في مديري وأبني عليه العلاقة بشكل إيجابي، وأتعرف إلى ما لا يعجبني وأحسن التعامل معه.
تشير الأبحاث إلى أن الموظف يتمنى في المدير عددا من القيم والمهارات والسلوكيات. وحسب هذه الأبحاث، يتربع على القيم كل من العدالة والمساواة والصدق والموثوقية. نرى كثيرين يفقدون خط التفاعل مع مديريهم بمجرد تأكدهم أنهم يفتقدون أحد أو بعض هذه القيم، ما يؤدي في كثير من الحالات إلى عدم الرضا وربما الاستقالة. أما المهارات فتنحصر في حل المشكلات واتخاذ القرار، وهذا متوقع، آخر ما يبحث عنه الموظف هو مدير يعجز عن مساعدته لإيجاد حل أو يعجز عن اتخاذ القرار المناسب في الوقت المناسب. تخلو قائمة المهارات حسب هذه الاستبيانات البحثية من المهارات الفنية الخاصة بمجال العمل، وهذا قد يكون بسبب سهولة الحصول على المعلومة المختصة اليوم مقارنة بصعوبة ضمان وجود المهارات الشخصية المناسبة لدى المديرين التي تأتي في مقدمة اهتمامات الموظفين. أما السلوكيات التي يبحث عنها الموظفون فيأتي على قمتها: الدعم والمراعاة، ويأتي بعد ذلك الاعتراف بالجهود، ثم إيصال توقعات الأداء الواضحة، والاحترام والتقدير، والمكافأة على الأداء. وهذا إلى حد ما يمثل دورة إدارة الأداء الطبيعية، إذ يؤخذ فيها الجانب الإنساني في التعامل، وتفعل بالتخطيط والعمل وإتاحة الفرصة ثم المحاسبة والمكافأة.
في كل الأحوال، ينبغي ألا ننخدع بعمومية هذه النتائج البحثية فهي تجمع في العادة تصورات الآخرين وتحولها إلى متوسطات ربما تعكس أكثر ما يبحث عنه أو يتوقعه الآخرون. لذا يمكن الاستدلال بها لكنها لن تعكس بطبيعة الحال المدير الذي تتمناه أنت أو أتمناه أنا. فالأهم هنا هو الأولويات العملية والمهنية التي نجعلها نصب أعيننا وتجعلنا نتصور احتياجاتنا ونقدر حجم الفراغ الموجود إدارة لتوقعاتنا في مكان العمل ومن المدير وفي الظروف التي نتحكم بها ولا نتحكم بها. تلك هي أهم العناصر التي تسمح لنا بإدارة المدير بشكل فعال Upward management وتعد اليوم من أهم المهارات العملية التي لا يدربون الموظفين عليها في مقر العمل. تقوم هذه المهارة على الفهم الجيد والتجاوب الاستباقي، وتتشكل في ممارسات مختلفة مثل التواصل الفعال وفهم القناة التواصلية الأفضل للمدير، استيعاب أسلوب عمل المدير والتكيف معه، شجاعة السؤال وإزالة الضبابية، الاعتراف بالمشكلات والتنبيه في الوقت الملائم، التعرف على ما يحفز المدير وإدارة هذه المحفزات بالشكل الأمثل له وللموظف وللعمل.