كثيراً ما أستخدم في كتاباتي قصة الزمن الجميل، وأنا لا ألوم أجيالاً لم تعش هذه الأيام.. ولكن من الصعب على إنسان مثلي أن ينساها، وقد كان من حسن حظه أن يعيشها.

أسترجع سنوات العمر وأنا شاب صغير في عشرينيات العمر، مسؤول عن القسم الثقافي في جريدة «الأهرام» أكبر وأعرق صحيفة عربية، وأجلس مع توفيق الحكيم، وزكي نجيب محمود، ويوسف إدريس، وحسين فوزي، وأعمل تحت رئاسة نجم الصحافة العربية محمد حسنين هيكل، وأستطيع أن أتحاور معه في أي وقت.

أليس جميلاً هذا الزمان؟ أن أسهر في حضرة محمد عبدالوهاب، وأن أدندن مع رياض السنباطي، وأن أختلف مع لويس عوض، أو أن أشاهد فيروز، وهي تزور الأهرام في ضيافة يوسف السباعي.

ألم يكن هذا الزمان جميلاً وأنا أشرب قهوتي الصباحية مع مصطفى أمين أو أنيس منصور، ونحن جيران في المكاتب.

ألم يكن هذا الزمان جميلاً؟ أن يشدو الناس شعري مع عبدالله غيث وسميحة أيوب في الوزير العاشق، في أوبرا الجزائر ومهرجان قرطاج في تونس، وجرش في الأردن، ودمشق في سوريا.

ألم يكن جميلاً هذا الزمان؟ وعشرات الأصدقاء من الكُتاب والمبدعين العرب يلتقون في قاهرة المعز، ويجمعنا الإبداع الجميل.. نزار قباني، ومحمود درويش، وعبدالرازق، والبردوني، والعتيبة، والحيدري، والخوجة، وسعاد الصباح، وبدر عبدالمحسن، وغازي القصيبي.

ألم يكن جميلاً هذا الزمان؟ ونحن نشاهد عبور الجيوش العربية إلى سيناء وهي تتقدم من كل العواصم العربية، ويقطع القادة العرب البترول عن الغرب، وتظهر الأمة العربية في أعظم انتصاراتها وتجلياتها أمام العالم.

أعترف كان الزمان جميلاً، بل رائعاً والعالم العربي يجتمع ليلة الخميس من كل أسبوع على صوت أم كلثوم، وهي تشدو لأمير الشعراء أحمد شوقي:

أبا الزهراءِ قد جاوزتُ قدري

بمدحِكَ بيْدَ أنَّ لي انتسابا

مدحتُ المالكين فزدْتُ قدراً

وحينَ مدحْتُكَ اقتدتُ السحابا

حين أجلس مع نفسي الآن وأستعيد صور الزمن الجميل، أقول: إن الزمان حظوظ، وإن أعظم الأشياء أن تمنحك الأقدار زمناً جميلاً، فكلما ضاق الأفق أمامي، وتراجعت قيمة الأشياء والأوطان والبشر أعود لهذا الزمن الجميل، وأتمنى أن تعود للأشياء قدسيتها وجلالها وشموخ البشر فيها، وأبحث عن الإنسان في كل عصر فهو الذي يصنع الجمال.

في يوم من الأيام كانت بين أيدينا رموز منحت الحياة إبداعاً راقياً وفكراً مستنيراً، وتركت لنا ذكريات هذا الزمن الجميل الذي ما زلنا نعيش عليه.