سمعته يقول عبر الشاشة: «كيف تقولون إن الحياة مرت بسرعة كبيرة، أنا أختلف معكم، لم تكن كذلك، لقد استقطعت منا حبلاً طويلاً من السنين»، وختم الإعلامي محمود سعد حديثه: «وأنا الآن في نهاية الطريق»، وبينما كنت أستمع بلهاث نحو ما يقوله، كان صدى الأغنية يربك المكان الذي أجلس فيه.. تقول الأغنية: «فاضي اشوية نشرب قهوة في حتة بعيدة.. اعزمني على نكتة جديدة.. وخلِّي حساب الضحك عليّ».

الحياة لا تستطيع أن تختصرنا، نحن من اختصرناها، كانت دوماً لدينا صناديق من الأسرار، نهب القليل منها وأحياناً الكثير لمن حولنا، ولا نشعر بالحرج أبداً.. كانت أيامنا ثرية وسريعة، حتى ذلك يشكل لنا نوعاً من الخوف.

بالتأكيد أنا لا أتفق مع سعد، فالحقيقة هي أننا نركض دون هوادة، لم نعد نملأ أرواحنا بالهواء المنعش كما كنَّا نفعل، ولم نعد نرمي أحذيتنا، ونظلّ نتسابق على طول الجدار الذي كان الفاصل بين قريتنا والقرية المجاورة.

الآن يستحيل أن تركض، ليس لأن حذاءك من ماركة «غوتشي»، وصندوق الكنوز لم يفتح بعد.. لا، هناك ما هو أعمق من كل ذلك، حينما تتسابق مع الريح، حتماً ستهزمك الآن، فأنت لم تعد طفلاً.

أحياناً أتمنى أن ألعب لعبة الاختفاء، حتى أستطيع أن أفهم نفسي أكثر مما مضى، الاختفاء داخل الذات، وليس اختفاء طفولتنا.. الاختفاء الذي يجعلني أشعر بأن الرقم الذي يتغير إلى جانب عدد سنوات عمري، ليس صحيحاً، فمن المستحيل أن أصل إلى هذا الحد من الحياة، فهي حتى لم تجعلني أتنفس كما كنت أفعل.