لا يمكن أن يتحقق توطين الوظائف من دون توفر الثقة بقدرات المواطن ومؤهلاته وكفاءته، أما الثقة بسياسة التوطين فهي موجودة وهذا لا يمنع من الفضفضة حول هذا الموضوع.

تدخل إلى أحد الفنادق وقد تجد في الاستقبال موظفا سعوديا، ولكن حين تريد أن تتعرف على خدمات الفندق وقاعاته وتتفاوض على الأسعار فإن من يتعامل معك موظف مقيم، ليست المشكلة في وجود مقيمين يعملون عندنا في مجالات مختلفة، هذا وضع طبيعي في كل الدول، لكن هذا الوضع له ظروف ويمر بمتغيرات ويحتاج إلى مراجعة ليس من أجل وقف التنوع الوظيفي والاستفادة من خبرات الآخرين وإنما من أجل فتح فرص أوسع للتوطين والثقة بالمواطن للعمل في مجالات جديدة، المواطن هو نتاج تعليم متطور وبيئة تنموية طموحة ويمتلك الاتجاهات الإيجابية والحوافز الذاتية والثقة بالنفس، هو بحاجة ماسة إلى ثقة الآخرين ليبدأ ويكتسب الخبرة مثلما فعل المقيمون.

الثقة هي المفتاح، نثق بالمواطن الطبيب والمهندس والطيار ولا نثق - كمثال - بحكام كرة القدم، ولا بالمشرف على الحكام، نضع حكام كرة القدم تحت الضغط والتشكيك بقدراتهم ونياتهم ثم نتوقع منهم النجاح، وكذلك نفعل مع المواطن في مجالات عمل أخرى، نستسلم لقناعات تقاوم التغيير بأن المواطن يبحث عن العمل الإداري والوظيفة المكتبية والعمل المريح، هذه قناعات لم يعد لها ما يبررها.

يتوفر الآن في بلادنا خريجون من جامعات ومعاهد سعودية وأخرى خارجية في تخصصات مختلفة، فرص العمل موجودة، المطلوب إعطاء المواطن الفرصة مثل غيره لبدء العمل واكتساب المهارة والخبرة بالتدريب والممارسة والدعم المعنوي المتمثل بالثقة، كيف يتوفر خريجون في مجال الصيدلة لكن أعدادهم محدودة في الصيدليات؟ هذا مثال من أمثلة كثيرة من الواقع رغم الحديث القوي عن التوطين.

وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية وضعت استراتيجية لسوق العمل منسجمة - حسب الوزارة - مع برامج تحقيق رؤية 2030، وأن يكون سوق العمل السعودي سوق عمل جاذبا للمواهب والقدرات المحلية والعالمية، ويوفر للمواطنين فرص عمل منتجة، الاستراتيجية تهدف إلى تخفيض البطالة وزيادة الإنتاجية وتحسين ظروف العمل ومناخ النمو والاستثمار وتنشيط سوق العمل وتخطيط المهن ووضع معايير مهنية ونظام للمهارات والاستقدام ومنظومة التوظيف.

تلك أهداف جميلة، وكان المتوقع عقد لقاءات إعلامية لأحد مسؤولي الوزارة لمزيد من التوضيح والإجابة عن ما يدور من أسئلة حول هذا الموضوع والدخول في تفاصيل قد لا تكون واضحة في ما صدر عن الوزارة حتى الآن خاصة في قضية التوطين وفيها تفاصيل كثيرة وأسئلة أكثر، وكذلك موضوع تحسين العلاقة التعاقدية وهي إحدى مبادرات التحول الوطني، خذ على سبيل المثال المادة 26 من نظام العمل التي تقول: (على جميع المنشآت في مختلف أنشطتها وأيا كان عدد العاملين فيها، العمل على استقطاب المواطنين وتوظيفهم وتوفير وسائل استمرارهم في العمل وإتاحة الفرصة المناسبة لهم لإثبات صلاحيتهم للعمل عن طريق توجيههم وتدريبهم وتأهيلهم للأعمال الموكلة اليهم وألا تقل نسبة العمال السعوديين الذين يستخدمهم صاحب العمل عن 75 % من مجموع عماله) هل هذه المادة لا تزال قائمة وما هو واقعها وماذا عن توطين القيادات الإدارية؟

إن رؤية وأهداف الاستراتيجية تستحق أكثر من لقاء لتفكيك العبارات والصياغات العامة والاستفادة من آراء وأفكار وملحوظات أفراد المجتمع في إطار المنهجية التشاركية التي استندت عليها الاستراتيجية وهي منهجية جيدة سواء قبل إقرار الاستراتيجية أو بعد ذلك.