دفع إعلان الإدارة الأميركية الجديدة عن نيتها مراجعة كل العقوبات الاقتصادية الدولية المطبقة على النظام الإيراني، ومراجعة الاتفاق الذي وقعته الحكومة الأفغانية مع حركة طالبان المدعومة من إيران، إضافة إلى عدم العودة إلى الاتفاق النووي دون تعديل بعض بنوده، إلى التساؤل عن كيفية تعامل إدارة جو بايدن مع الملف الإيراني، فيما رأى فيه متابعون محاولة من بايدن لجس نبض طهران.

وقال وزير الخارجية أنتوني بلينكن “إن اتفاق 2015 سيكون منصة للانطلاق نحو اتفاق يشمل قضايا أخرى تمتد إلى البرنامج الصاروخي ونشاطاتها (إيران) الخبيثة في المنطقة”.

الإدارة الحالية تريد أن تقول من خلال تلك المراجعات إن هناك أخطاء تم ارتكابها من خلال الثقة بالنظام الإيراني أبرزها فوضى الميليشيات التي تنتشر في كل المنطقة

بدرجة كبيرة وبشيء من الوضوح، فإن هذا الكلام يعني أن الإدارة الأميركية الجديدة لن تكون متساهلة مع قادة إيران الذين عاشوا حالة من الانتشاء السياسي بعدما غادر دونالد ترامب البيت الأبيض، اعتقادا منهم بأن المرحلة المقبلة ستكون على منوال زمن إدارة باراك أوباما.

ما يبدو واضحا أن أعضاء فريق إدارة بايدن بشكل خاص وليس الرئيس بايدن نفسه، يحملون موقفا ويشيرون إلى ملامح سياسية لطهران على عكس ما يتوقعه الكثير من المراقبين لاسيما في عالمنا العربي. ويعتقد هؤلاء أن إدارة بايدن ستكون مستعدة للرضوخ إلى الرغبات الإيرانية وبالتحديد في جانب رفع العقوبات الاقتصادية التي أنهكت النظام الإيراني ويستعجلون الإدارة الأميركية على العودة إلى الاتفاق النووي أو رفع العقوبات بأساليب مفهومة مثل تلك التفجيرات التي حدثت في ساحة الطيران وسط بغداد قبل أسبوع.

القلقون من تكرار نمط أوباما، يبنون وجهة نظرهم من وجود عدد من الأشخاص في الفريق الرئاسي على علاقة قديمة بأفراد في النظام الإيراني، ولكن في ظني أن الدور الذي تلعبه إيران يمثل تهديدا للمصالح الأميركية في المنطقة وفي أفغانستان، حيث توفر طهران ملاجئ للمنتمين إلى طالبان وتدريبات عسكرية مقابل أن تقوم الحركة بالضغط على القوات الأميركية للانسحاب منها.

مجرّد التفكير في التعاون مع إيران يعني وفق المنطق السابق مغامرة جديدة في زيادة عدد الأزمات السياسية والأمنية وحجمها في العالم

من المهم أن تكون هناك قناعة ووعي سياسي لدى الإنسان العربي يتعلقان بأنه ليس شرطا أن تأتي إدارة أميركية جديدة أو أن يصل الديمقراطيون للحكم أو حتى الجمهوريون كي تتغير الاستراتيجية الأميركية كليا لمنطقين اثنين على الأقل. المنطق الأول: أن الاستراتيجية الأميركية لا يضعها شخص حتى لو كان هذا الشخص الرئيس نفسه. صحيح هو يتمتع بنسبة معينة من التأثير وإنما المؤسسات التابعة للدولة هي التي تصنع القرارات، أما الرئيس فهو من ينفذ ولكن لا يصل إلى درجة أن يغيّر من تلك القرارات بدرجة تضر بالمصالح الأميركية.

والاختلاف بين الحزبين يكمن في طريقة تنفيذ تلك الاستراتيجية، فإذا كان الجمهوريون يعتمدون السياسة الواقعية التي غالبا ما تكون حادة في السياسة الخارجية، كما حدث مع ترامب، فإن الديمقراطيين يتسم أسلوبهم بالسياسة الناعمة، وإن أردت المبالغة، بالخبث الدبلوماسي، ولكنّ الاثنين تحركهما في النهاية لصالح المصلحة الأميركية.

المنطق الثاني: أن هناك متغيرات سياسية على المستوى الداخلي والخارجي الأميركي وهي تحدد اتجاه سياسة الرئيس، وبالتالي فإننا نستبعد وبدرجة كبيرة مسألة تكرار سيناريو إدارة الرئيس الأسبق باراك أوباما في المنطقة أو إيران تحديدا، ليس فقط لأن الفريق الذي تتشكل منه إدارته التي توصف بأنها قريبة إلى المصالح الإسرائيلية وإنما المسألة استراتيجية، فخطر الصورايخ الإيرانية وبرنامجها النووي لا يقتصران على الحلفاء الخليجيين وإنما يشملان دولة إسرائيل.

والمتغير الآخر وهو الأهم من وجهة نظري أن الدول الخليجية استوعبت الدرس الأميركي في عهد أوباما بشكل كامل، وعليه فهي غير مستعدة لأن تضع كل “البيض في سلة واحدة” وفق النظرية السياسية المعروفة. وقد أدركت الإدارة الأميركية السابقة وباعتراف الرئيس أوباما نفسه بذلك في كتابه “أرض الميعاد” حول إصراره على دعم تنظيم الإخوان المسلمين في مصر رغم أن ولي عهد أبوظبي الشيخ محمد بن زايد نصحه بأنه قد يخسر العديد من حلفائه في المنطقة. أي أنه في مقابل تقدير الدول الخليجية والعربية للعلاقة الاستراتيجية التي تربطها بالولايات المتحدة، إلا أن ذلك لا يعني قبول المساس بالخطوط الحمراء لها.

الإدارة الأميركية الجديدة لن تكون متساهلة مع قادة إيران الذين عاشوا حالة من الانتشاء السياسي بعدما غادر دونالد ترامب البيت الأبيض

قد يكون الوقت مبكرا في الحكم على نوايا الإدارة الأميركية الجديدة ومعرفة ملامح سياستها الخارجية على الأقل إلى حين مرور 100 يوم من دخول بايدن البيت الأبيض. كما أنه من المبكر أيضا الحكم على مدى تفهم النظام الإيراني للمتغيرات السياسية الجديدة، رغم كل الشكوك في إصلاح نهجه، ولكن يبقى الرهان دائما على العقلاء في النظام الإيراني ممن يبحثون عن مصالح شعبهم، وربما الانتخابات الرئاسية في يونيو المقبل ستفرز من يستشعر بحقوق المواطن الإيراني الذي لا يختلف عن أي إنسان آخر في رغبته في العيش الكريم والعدالة المجتمعية.

الإدارة الحالية تريد أن تقول من خلال تلك المراجعات إن هناك أخطاء تم ارتكابها من خلال الثقة بالنظام الإيراني أبرزها فوضى الميليشيات التي تنتشر في كل المنطقة من أفغانستان إلى اليمن وسوريا والعراق ولبنان، وكلها تعمل ضد المصالح الأميركية، وبالتالي فإن مجرّد التفكير في التعاون معها يعني وفق المنطق السابق مغامرة جديدة في زيادة عدد الأزمات السياسية والأمنية وحجمها في العالم.