تعود مأساة العراق مجدداً، من خلال سلسلة أعمال انتقامية وإرهابية تستهدف أمن الشعب العراقي الشقيق واستقراره وسلامته، لتتعمق المعاناة بشتى الأشكال والاتجاهات.

فالمأساة العراقية لم تتوقف يوماً منذ سقوط نظام طاغية العراق صدام حسين، بل استمر التمزق لمكونات المجتمع العراقي بسبب الانقسام الطائفي والديني، وتدخل قوى مجاورة على مستوى دولة، في اشعال نار الصراعات الدموية، وتوغل خلايا لما يُعرف بتنظيم الدولة الإسلامية (داعش) بهدف اغتيال أرواح الفئة الشيعية، وشيوع بالتالي الفتنة الطائفية.

لكنا لا نستطيع أن نكتم الاستغراب والاستنكار الشديدين حين تستمر مخططات قوى الظلام نحو قطع ألسنة مبادرات التيار المدني وتمزيق مشاريع الوحدة العراقية، فالهوية العراقية باتت هدفاً لصراعات دينية، نتيجة تدخل الجارة إيران بشكل مباشر وغير مباشر في الشأن العراقي الداخلي.

ثمة مبادرة عراقية مدنية رايتها «لا للطائفية لا للفساد»، خرجت الى النور منذ سنوات داخل العراق وخارجه ايضا، ولم تحصد هذه المبادرة دعماً من الجوار العربي والخليجي، بل واجه أصحاب المبادرة مواجهة عنيفة ومقاومة شديدة من داخل العراق وعلى مستويات سياسية مختلفة، مما دفعها الى عقد مؤتمرات واجتماعات لها خارج العراق!

لقد ركزت المبادرة العراقية على ثوابت غاية في الاهمية من خمسة محاور شاملة وجامعة، تتضمن تاريخ العراق الحضاري وعروبة الشعب العراقي وتعددية المذاهب والأديان، والتداخل بين مختلف القوميات والمذاهب اجتماعياً من الشمال إلى الجنوب، وهو ما ينسحب أيضا على التكوين القبلي في العراق المتماسك بالرغم من الانتماء المذهبي والديني والقومي.

فيما استبصرت الأهداف السياسية للمبادرة المدنية العراقية على «مواجهة الطائفية»، الى جانب «مكافحة الفساد»، ودعم التنمية المستدامة والحفاظ على «الهوية الثقافية والحضارية للعراق»، من خلال تحديد آليات العمل والحلول لكل هدف من منظورين علمي وسياسي عميقين.

توجت المبادرة في عام 2016 بتأسيس تيار مدني تحت راية «موطني» من العاصمة الأردنية عمان كبديل حقيقي «للأحزاب الحاكمة»، فيما جددت شتى القوى السياسية والفكرية والإعلامية والاقتصادية العراقية الدعوة الى تشكيل حكومة انقاذ وطني بهدف تحقيق كل هذه التطلعات والتصدي لعواصف الطائفية وطوفانها.

ليس من الحصافة السياسية أن تتخذ دول مجلس التعاون الخليجي والجامعة العربية والمنظمات الاقليمية والدولية موقف المتفرج والمراقب للأحداث والتطورات المأساوية في العراق، وغياب الدعم العلني والإعلامي والسياسي للمساعي البناءة.

فالانفجار الطائفي والديني والسياسي في العراق لا بد من أن تكون له انعكاسات مباشرة على الاستقرار والأمن في منطقة الخليج العربي، وأي تهاون أو تراخ في التحرك نحو إنقاذ العراق لن يخرج منه طرف مستفيد سوى إيران.

تعددت واختلفت التسميات لحرب 2003 التي استهدفت نظام صدام حسين، بين الغزو الأميركي وتحرير العراق، ولكن تظل هناك حقيقة واحدة في إخفاق السيناريو الأميركي في التعامل ما بعد سقوط طاغية بغداد استراتيجياً، على خلاف الرؤى البريطانية، التي كانت منحازة عسكرياً وسياسياً واستراتيجياً في عدم حصر الهدف في سقوط نظام صدام والحرب ضده، بل في الإعداد الإستراتيجي لإعادة بناء الدولة العراقية على أسس سليمة وبرؤية عراقية مشتركة من مختلف التيارات السياسية والفكرية.

لكن هذا الخطأ الإستراتيجي لا يبرر ما يحدث بالتاريخ القريب والبعيد في العراق من خطأ استراتيجي اقليمي اعظم، لطالما يستمر مشهد مخططات خارجية وداخلية ضد أمن العراق ككل وسلامته واستقراره، وهو ما يستوجب استنهاض القوى العربية والدولية في انقاذ العراق.