لم ينل المجدد اللغوي والديني الكبير، المفكر اللبناني الأزهري الشيخ عبدالله العلايلي، ما هو جدير به من تكريم، بالعودة إلى مؤلفاته المهمة، فهو الذي أعطى الكثير في تطوير النظرة إلى لغتنا العربية، وإلى تراثنا الديني.
ولد العلايلي عام 1914 لعائلة بيروتية عريقة، وفي سن مبكرة جداً قصد القاهرة للدراسة في الجامع الأزهر، حيث مكث في أرض الكنانة نحو اثني عشر عاماً، وعاد إلى لبنان في عام 1936، محملاً بزاد فكري وفقهي ثري، حيث تولى التدريس في «الجامع العمري الكبير» لمدة ثلاث سنوات، انكبّ خلالها، أيضاً، على وضع كتابه «مقدمة لدرس لغة العرب»، وفيه ذهب إلى أن اللغة هي «مجموعة الأفكار والتقاليد والعواطف، تنمو أو تموت، تتحرك أو تأسن، بحسب حاجة الناس إليها، أو بمدى ارتباطها بنشاط الإنسان».
كتابه الأول تلته مجموعة من الكتب المهمة ذات الصلة بالتاريخ وبالحاضر معاً، أحدها كان عن رهين المحبسين أبي العلاء المعري عنوانه: «المعرّي ذلك المجهول»، وآخر هاجم فيه الغلواء الطائفية وما ينجم عنها من تفكك في المجتمعات، متخذاً من بلده لبنان حالاً للدراسة، وصدر الكتاب بعنوان «إني أتهم».
ومن آيات انفتاحه على التجديد، مشاركته، وهو رجل الدين الأزهري، للزعيم الراحل كمال جنبلاط في تأسيس الحزب التقدمي الاشتراكي في عام 1952، وتقول سيرته إنه ترشّح لمنصب مفتي الجمهورية، لكنه لم يفز، ربما بسبب ما كانت عليه أفكاره ورؤاه من جرأة.
من كتبه المهمة التي أصدرت دار الجديد اللبنانية طبعات حديثة منها، كتاب «مقدمات لا محيد عن دراستها جيداً لفهم التاريخ العربي»، ونعزو ما وسم عنوان الكتاب من طول، غير مألوف عادة في عناوين الكتب، إلى حرص العلايلي على أن يُضمّن العنوان عبارة «لا محيد عن دراستها جيداً»، في توصيف المقدمات التي أرادها لفهم تاريخنا.
لكي يقرّب العلايلي للقارئ ما هو بصدد بحثه في كتابه هذا، استشهد ببيتي شعر لأحمد شوقي يقولان: «أفضى إلى ختم الزمان ففضهُ/ وحبا إلى التاريخ في محرابه/ وطوى القرون القهقرى حتى أتى/ فرعون بين طعامه وشرابه»، كأنه يومئ إلى مقدار ما بذله من عناية بالتفاصيل التي يحفل بها التاريخ ليبلغ الحقيقة، أو على الأقل ليكون أقرب إليها.
كتاب جدير بالعودة إليه في لحظتنا العربية الراهنة (لأنه يعيننا على فهم جذور ما بتنا عليه) والتي هي نفسها المقدمات التي «لا محيد عن درسها جيداً»، ولنا معها وقفة قادمة.