التنمية تعني الخطط، والبرامج التي تقوم بتنفيذها الدول، والمجتمعات لتطوير، وتحسين، والارتقاء بمستوى حياة الأفراد، وذلك في كل المجالات الاقتصادية، والاجتماعية، والصحية، والتعليمية، والثقافية، والسبيل إلى ذلك لا يتم دون توظيف، واستثمار موارد البلد، وصرفها على المشاريع التي تحقق الأهداف المنشودة، والمحددة في الخطط المرسومة، ويأتي على رأس الموارد الإنسان الذي هو محور التنمية، وجذرها الأساس في كثير من المجتمعات التي تقوم عليه، وبه كل برامج التنمية، وأنشطتها، إلا أن الإنسان قد لا يكون مهيأ لهذه المهمة ما لم يهيأ من خلال التعليم الجيد المختص، إذ لا يمكن أن ينفذ مشروع كهربائي - على سبيل المثال لا الحصر - ما لم يوجد مهندس كهربائي له من المعرفة، والخبرة، والمهارة ما يتناسب مع المهمة المراد تنفيذها.
التنمية في مفهومها الشامل تستوجب توافر مختصين في كل المجالات، خاصة في زمن تشعب مجالات الحياة، وهذا ما يعمد إليه كثير من المجتمعات، حيث تسعى جاهدة إلى إنفاق مواردها في بناء دور العلم، ومراكز التدريب المختصة، بهدف استغناء الوطن قدر الإمكان عن الكوادر البشرية الأجنبية، إلا إذا كان المجتمع في بداية نهضته، كما هو حال كثير من المجتمعات في بدايات نموها، وهذا ليس عيبا، بل علامة قوة، ورشد تحسب للمجتمع، كما حدث للمملكة في بداياتها استعانت بالمعلمين، والأطباء، والمهندسين، والقانونيين، وغيرهم من الدول العربية، وغيرها من دول العالم.
مع تجاوز المملكة كثيرا من معوقات التنمية التي واجهتها في السابق، إلا أن أمامها الكثير، نظرا لأن التنمية مستمرة لا نهاية لها فهي تتسع، وتتنوع بزيادة السكان، وتوسع المدن، ونمو المعرفة، والتطور التقني الهائل، والسريع في العصر الحاضر، فمصطلحات مثل خبير تقنية، وخبير فيروسات وبائية، ومبرمج كمبيوتر وغيرها الكثير لم تكن متداولة أو معروفة على الإطلاق.
التنمية في مجالها الاجتماعي تعني الانتقال بالمجتمع من الأمية بمفهومها الراهن، وليس بمفهوم ما قبل عقود، ورفع مستوى الوعي الاجتماعي عموما، بشأن كثير من القضايا، خاصة ما له علاقة بوضوح، ونضج الهوية الوطنية الجامعة لكل أبناء المجتمع، بهدف تحصينه، وصد الاختراقات الثقافية التي تمس الهوية، وتضعفها ما قد يحدث صدعا اجتماعيا، إن المشروع الثقافي الذي يتبناه المجتمع، ويسعى إلى تحقيق أهدافه لا يتحقق ما لم تكن ركائزه مستمدة من مكونات المجتمع القيمية، والدينية، واللغوية، وكل عناصر الهوية الراسخة في شعور، ولا شعور أبناء المجتمع.
وكم من المجتمعات العربية، وغير العربية التي حاولت تأسيس منظومتها الثقافية بناء على أسس واردة من خارج الحدود، وغريبة فباءت مشاريعها الثقافية بالفشل، وتعطلت التنمية في هذا المجال، وانسحبت آثارها السلبية على مجالات عدة، ولعل مشاريع البعثية، والاشتراكية، والقومية ليست ببعيدة عن الذاكرة.
التنمية الاجتماعية تستهدف إضعاف عوامل الفقر، والحد من الجريمة، وأسبابها، إضافة إلى معالجة الأسباب الكامنة وراء النفور من الأعمال المهنية المدرة لدخل عال، وتركها بأيدي العمالة الوافدة، والعشق المفرط للوظيفة مهما قل راتبها، وهذا يتمثل في الاتجاهات السلبية التي تشكلت بفعل الجهل، وقلة الوعي، حتى يكاد من النادر رؤية شباب الوطن يعملون في المهن الفنية.
قد يتوافر المال، والثروة، والمصادر الطبيعية في وطن من الأوطان، لكن المشروع التنموي قد لا يحقق النجاح المأمول منه، نظرا لقلة السكان كما في بعض الدول العربية، وغيرها، حيث تبنى برامج التنمية، خاصة التعليمية، والثقافية على أيدي خبرات وافدة لا تدرك مفاهيم المجتمع الثقافية، ولا تعي مدلولاتها، وارتباط الناس بها، أو لا يعنيها كيف تكون النتائج المترتبة على البرنامج، إضافة إلى قلة الحماس، والدافعية أثناء تنفيذ البرنامج، نظرا لعدم انتمائها للمجتمع، أو أنها تتعمد الإخلال بأهداف البرنامج ومحتواه لتكون النتيجة بما يتعارض مع قيم وثوابت المجتمع، ومصلحته العامة، وينتهي البرنامج بجيل هجين لا هو مرتبط بثقافته الأصيلة، ولا هو آخذ بما انتهى إليه الآخرون الذين تم استيراد برنامجهم التنموي بشقيه المعرفي، والثقافي، وينطبق على مجتمعات كهذه المثل القائل: "نريدها مشية حمامة، وصارت مشية غراب".