مشهد لا يمكن أن يغادر ذاكرتي، فأجمل ما يمكن أن يحظى به الروائي، هو قدرته على استرجاع الماضي بذاكرة حديدية، وهو يستمتع كلما وجد أن ذاكرته بدت كسرعة الحصان في سباق دولي، تتراكم الصور والحكايات والنبضات والآهات والسقوط والوقوف، وهذا ما حدث لي وأنا أمتع بصري في النظر إلى صور قديمة للأسرة والجيران وبنات وأبناء الخال والعم، كنت أشعر بانتشاء غريب، ففي كل صورة أشعر برائحتها تتطفل إلى روحي المنهكة، فيستيقظ قلبي.

هناك مشهد لم يتكرر في المسلسلات الخليجية، رغم أنه عرف متعارف ومتداول بين شعوب الخليج، وهي اللحظة التي تصرخ فيها أمك بصوت عالٍ، لتذهب إلى بيت أقربائك أو جيرانك لتزف لهم خبراً جميلاً، أن تختارك أمك أنت تحديداً لتنقل الخبر، فهذا يعني أنك محظوظ جداً، فحالما تصل إلى البيت الذي ستزف لأهله الخبر، حتى تسمع الزغاريد وتبرق الابتسامات ويتحول البيت الصغير إلى كعكة تنقصها الشموع، وقبل أن تخرج، لا بد أن تأخذ «الحلاوة»، نعم حلاوة الخبر الذي نقلته لهم، وغالباً ما يكون ريالات معدودة، تدس بقوة في يدك، وهي لك ولا يحق لأحد أن يأخذها منك.

وأخيراً، هل كانت السعادة تقاس بالنقود في ذلك الوقت؟ أم أنه بسبب قلة الأخبار المبهجة يصل الأمر لأن يعطى الناقل مبلغاً بسيطاً أو هدية رمزية؟

المشهد يرفض أن يغادرني، لا أحد يلومني، فلربما هو اشتياق مرير لتلك الأيام التي ولّت ولن تعود، ولكن يبقى لي الحق في التفكير بها، واسترجاع المشاهد التي كنت فيها بطلة لأني نقلت خبراً سعيداً.

لماذا انتهت تلك البهجة؟ ولماذا كان الأطفال في السابق هم الأفضل في نقل الأخبار الملغمة بالفرح؟