ساندرو بوتشيلي عاد ليقلق عيوننا وآذاننا وقلوبنا مرة أخرى. لا يتوقّع المرء أن هناك لوحة منه لا تزال خارج المتاحف. ولكن ظهرت واحدة لتباع في مزاد سوثبيز بـ92 مليون دولار. “الشاب الذي يحمل ميدالية” هو عنوان اللوحة التي يُعتقد أنها رسمت في سبعينات أو ثمانينات القرن االخامس عشر.

عاش بوتشيلي بين عامي 1445 و1510 في فلورنسا، وكان مقربا من عائلة ميديتشي التي كانت عنوانا لعصر شهدت الفنون فيه ازدهارا للفن الراقي والرفيع، وكان بوتشيلي واحدا من أهم فناني ذلك العصر.

غير أن الفنان الذي بدأ حياته صانعا في محل للصياغة لا يزال قادرا على إثارة عاطفة من نوع خاص من خلال عمليه “مولد فينوس” و”الربيع”. اللوحتان المعروضتان في متحف أولفيسي بفلورنسا لا تزالان نضرتين مثل موضوعيهما. حين رأيتهما أول مرة شعرت أن ذلك الحدث وحده يكفي سببا لأن أعود مرة أخرى إلى المدينة التي بدأ منها عصر النهضة.

قبل ذلك الحدث المثير كنت أفكّر في “بياتريس” حبيبة دانتي صاحب الكوميديا الإلهية، والذي خصها بواحدة من أجمل قصائده. بياتريس التي ماتت شابة لا يزال خيالها يرافقني كلما ألقيت بخطاي على جسر بونتي فيكيو الفريد من نوعه في العالم، فأشعر أن تلك الصبية لا تزال حية تعيش في جمال الفن الذي استلهمها.

تقول فلورنسا الشيء نفسه عن الكثير من كنوزها ودروبها وكنائسها وساحاتها وأسواقها. ليست فلورنسا من المدن التاريخية التي تقيم في الماضي والتي صارت أشبه بالمقابر. إنها مدينة حياة، لكنها حياة من طراز خاص.

لورنزو ميديتشي ترك حلمه العظيم طازجا ومضى. لا أعتقد أن الزمن أعطى رجلا مثل لورنزو، رجلا يمكن أن يُرى في الأبعاد الزمنية كلها.

بسبب بوتشلي يمكن القول إن لورنزو يمسك بالخيط الذي يصل بين الماضي والمستقبل. لوحات بوتشيلي ستُرى في المستقبل، لأنها ستبقى نضرة. الإثارة التي تحملها تلك اللوحات لا يمكن أن يصنعها سوى رسام عظيم بحجم بوتشيلي.

كم كان الجمال ضروريا من أجل تشبّث الإنسان بالحياة. شيء ما يجعله شبيها بالطريق التي تقود إلى الخلود. وهو ما من رؤية بوتشيلي من جديد مناسبة للتعرّف على الحياة من خلال جمالها.