يقصد بالأعذار والحجج الواهية تلك التافهة التي لا تستند إلى منطق أو إثبات وبعيدة عن الحقيقة أو السببية. لكن في سياق الإدارة يستخدم بعض هذه الأعذار والحجج بطريقة فعالة جدا، ولها أثر قوي. قوة العذر هنا تعني نجاحه، لكن لا تعكس صحته. فهو تبرير خاطئ ينجح في وضع العراقيل والتحديات بدلا من أن يزيحها من الطريق. هناك من يحترف وضع العراقيل ويعرف تماما كيف يبتكر مزيدا منها لمختلف الأوضاع والسياقات، وهؤلاء مع الأسف استثمروا مهاراتهم بشكل سلبي وامتهنوا التدمير والتفريق. يستحق من يعمل معهم من المخلصين المهتمين كامل التعاطف، ستجده متأخرا مهما اجتهد.
لو حاولنا الاستفادة من هؤلاء الذين يضعون العراقيل والتحديات ويجيدون استخدام المغالطات والمبررات الواهية لتعطيل الأعمال الحسنة، سنجد أن قائمتهم مليئة بهذه الأعذار والحجج. أولها التنظير، أسهل عبارة تقال عند الحديث عن أهمية العودة للمبادئ أو استخدام القواعد والأطر لتحديد التوجهات: "كلام نظري" أو اتهام المهتمين بالأفكار المؤسسة أو الباحثين عن الممارسات الجديدة التي تتناولها الدراسات بأنها من "حديث المنظرين". والحقيقة: إن الموازنة بين المفهوم والممارسة أمر صعب، لكن إيجاد هذا التوزان شرط للتحسين ويتطلب تقبل الفكرة الجديدة وإعطاءها حقها من التفكير والتمحيص. من يجيد الربط بين المفهوم والممارسة سينقل العمل إلى مستوى جديد ومختلف. مثال ذلك، استخدام الأسس العلمية المثبتة في تحديد أسلوب تقييم الأداء الأمثل للشركة، الابتعاد عن النظريات السليمة يعني الابتعاد عن ربط المحفزات والدوافع بالعمل والنتائج.
من الأعذار الواهية والمؤثرة بشكل سلبي: الدفاع ضد التعديلات الإيجابية بأسلوب مراوغ يقول فيه المدافع: "نتفق مع الفكرة لكن تطبيقها صعب". أي: التغيير هنا مسألة غير عملية، يلمح فيها هذا المقاوم بأن العراقيل كثيرة ولا جدوى من محاولة التغيير. وهذه مراوغة مشهورة تنبئ عن الكسل واليأس، كل تغيير وتحسين يتطلب بذلا للجهد ومحاولة واستكشافا. الحكم بموت الشيء قبل ولادته حكم خاطئ، خصوصا لو كان صاحبه لا يملك الخبرة، ولم يمر بالتجربة ذاتها من قبل. حتى لو مر سابقا بهذه التجربة وفشل، فالطبيعي أن يقبل إعادة تنفيذها بعد تذليل الصعوبات التي كانت موجودة سابقا، فالسياق مختلف والظروف مختلفة والتجربة خير طريق للتعديل وتحقيق النتائج بشكل أفضل.
هناك كذلك من يضخم حجم التعديل والتحسين ليجعله أمرا غير منظور في الواقع الزمني الحالي. أي يقول لك: "فكرة ممتازة لكن تطبيقها يحتاج إلى أعوام طويلة، هذا مشروع ضخم وكبير ويتطلب التزاما وتعهدا ووجودا مستمرا ودائما للموارد التي نحتاج إليها". وهنا يظهر الشخص تعاطفه وموافقته لكنه يطيح بالفكرة وقابلية تنفيذها بمناورة معروفة، على الأقل يؤخر أو يطيل أمد النظر والتخطيط ويبعد من حوله من تصور نتائجها والتصديق بها. كلما ابتعدت النتائج زمنيا قل الاهتمام بالفكرة. هذا الأسلوب يدمر البعد الاستراتيجي أو يستخدمه بطريقة مدمرة تجعل كل مأمول بعيدا، وكل مطلوب غير مستطاع. وتأكيد الطرف المقاوم هنا سلامة الفكرة أو المشروع مجرد خدعة بسيطة ليظهر للآخرين بأنه يتعاطف معهم ويفهم أهمية ما يقولونه، لكنه يؤكد أنه ليس أمرا يستحق الأولوية.
ومن محترفي استخدام الأعذار الواهية المؤثرة: من يستخدم التعارضات، فهو يستطيع أن يخرج بأكثر من أمر يتعارض مع الفكرة الجديدة، خصوصا جوانب الحوكمة والقوانين. من السهل عليه أن يقول: إن هذا الأمر يتعارض مع المتطلبات القانونية الأخرى، أو لا يتفق مع متطلبات الحوكمة، أو لا يحقق فصل المهام بشكل واضح. وهذا الأمر ستجده بشكل جلي إذا كانت المنشأة تخضع لأكثر من جهة منظمة ومشرفة، مثلا مؤسسة مالية تخضع لإشراف البنك المركزي وتخضع لإشراف الجهة المنظمة لسوق المال. ويحدث كذلك إذا كانت الشركة الفرعية تخضع لمتطلبات إضافية لا تخضع لها الشركة الأم في المجموعة نفسها، فيستخدم مثل هذه الفروق لإيجاد مزيد من التباين في الممارسات هدفه الأساسي التفرد بالسلطة أو الهرب من الضبط والترتيب. التعامل مع هذا يتطلب معرفة دقيقة بهذه المتطلبات التي قد تظهر وقد تكون فعليا متعارضة. الحل هنا لا يجب أن يكون بالابتعاد بالكامل عن موطن التعارض، وإنما بفهمه وإيجاد البدائل، وهذا شرط للبحث عن القيمة وصنعها. الهرب من مواطن التعارض يعني البحث عن عمل بلا مخاطر، وهذا مستحيل.
تتعدد هذه الأعذار وتتنوع وقد تكون مبتكرة بشكل فريد، قد يقول المتقوقع ضد التغيير: إن الوقت غير مناسب وقد يعد تحليلا علميا يجير الحقائق بطريقة خاطئة نحو رغباته التي تعكس الخوف والتردد وقد يقوم بحملة مناوئة تفكك كل مشروع جديد للعودة نحو الأصول والوضع السابق. من المهم أن يتم اكتشاف مثل هؤلاء ويكون التعامل معهم وفق قواعد إدارة التغيير المعروفة. التعامل معهم لا يعني بالطبع مجرد مقاومتهم، بل بالفهم الجيد لثقافة المنظمة ودوافعهم والاستثمار في هذه المقاومة لتتحول إلى نقاش صحي يخرج بأفضل النتائج.