يعيش الإنسان في هذا العصر في دوامة من المهام والأعمال المتواصلة، وهو في سعي متكرر لكسب القوت ومعيشة أطفاله، وفي أحيان كثيرة فإن العمل الذي يقوم به - الوظيفة - تكون فيها منغصات ومضايقات، وعند عودته للمنزل قد يواجه جملة من المشاكل كالنتيجة الدراسية لأحد أبنائه متدنية، أو فواتير مرتفعة على غير العادة سواء للكهرباء أو الماء أو الهاتف، أو نحوها من المنغصات التي هي عند البعض أمور بسيطة ولا تُذكر لكنها عند البعض الآخر وأخشى أنه البعض الأكثر عدداً في وطننا العربي الذي بالنسبة له مثل هذه الأمور كالمصائب التي قد تستنزف تفكيره أو ماله. جانب آخر في معضلتنا الحقيقية مع السعادة والفرح، هي في أنفسنا نحن، في عدم معرفتنا كيف نفرح وكيف نسعد من يعيش معنا؟ باتت معاملاتنا مادية بشكل واضح وصارخ، فنحن نعطي وننتظر المقابل، حتى مع أقرب الناس إلينا، لقد ضربتنا الحياة الحديثة بكل قسوة وعنفوان دون هوادة أو تردد. فقد تحولنا لما يشبه الآلات تشتغل دون توقف وعند توقفها - الإجازة - تكون أوقات صيانتها، نحن على نفس الوتيرة بطريقة أو أخرى. السعادة والفرح هما أسمى الأهداف التي يسعى لها الإنسان، يقول العالم المسلم الفارابي: «السعادة غاية كل إنسان، وأن كل من ينحو بسعيه نحوها فإنما ينحو على أنها الكمال الأقصى، وهذا لا يحتاج في بيانه إلى قول، فهو في غاية الشهرة». وهو يقصد أن السعادة هدف ومطلب كل إنسان ولا يحتاج هذا لبيان أو دليل، فالجميع غايتهم الفرحة والانشراح وقضاء أوقات جميلة محملة بالسعادة الحبور، هناك من يعرف الطريق إليها، وهناك من يضل الطريق أو ينحرف أثناء السير باتجاهها. مشكلة السعادة أنها مرتبطة في أحيان كثيرة بالآخرين بمعنى أنه يمكن أن تشعر داخل نفسك بسعادة وفرحة، هكذا تتسلل إلى روحك بعفوية وتغمرك دون أي أسباب ولعل الكثير منا مرت به هذه المشاعر، إلا أن هذا الوهج النفسي سرعان ما يخبو بسبب شخص عابر في حياتنا كأن يُسمعنا كلمات قاسية دون سبب أو أن نتعرض لجدال دون مبرر مع شريكنا في الحياة. فنصاب بنكسة داخلية ونتراجع ونطرد هذا الشعور الجميل من داخل أروحنا دون معرفة أو تعمد.. والذي أشير له أن نحاول غمر قلوبنا دوماً بالهدوء، وأن نعمرها بالقناعة والاكتفاء، أن نحاول توجيه، لكل من هو قريب من قلوبنا، رسالة مفادها أننا لا نؤذي إلا أنفسنا بكل هذه القسوة فلنعش الحياة بكل تفاصيلها، ونحاول أن تكون أيامنا مختلفة عن سواها، ثم نجعل هذا السلوك هو نهجنا طوال أيام العام، بل وجميع الأعوام القادمة. ولتكن البداية بطرد التجهم والعبوس، ونحل مكانها الابتسامة، ألم يقل لي ميلدون: «الناس لا ينظرون لملابسك ما دمت تملك ابتسامة كبيرة