قبل أقل من 20 عاماً، وفي إحدى أكبر الكذبات التي شهدتها البشرية، وقف وزير الخارجية الأميركي أنذاك كولن باول أمام الأمم المتحدة قبيل حرب العراق في 5 فبراير عام 2002 زاعماً بأن الولايات المتحدة لديها أدلة استخباراتية على امتلاك صدام حسين أسلحة دمار شامل وتحت هذه الذريعة شنت الحرب لكن الأسلحة لم يتم العثور عليها والأدلة التي قدمتها الحكومة الأميركية أتضح أنها لم تكن صحيحة، ووصف «كولن باول» دفاعه عن تقرير بلاده عن أسلحة الدمار الشامل العراقية المزعومة أمام الأمم المتحدة بأنه «وصمة عار في مسيرته السياسية». ولأن التاريخ يعيد نفسه وكذلك السياسات التي تنتهجها الولايات المتحدة، وفي محاولة لفرض ضغط سياسي شائن على المملكة العربية السعودية قامت إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن بنشر تقرير للاستخبارات الأميركية بشأن جريمة مقتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي عام 2018 وأدرجت الوثيقة التي رفعت عنها السرية، 21 فرداً، لدى المخابرات الأميركية ثقة كبيرة في أنهم متورطون أو مسؤولون عن مقتل خاشقجي، وأعلنت واشنطن فرض قيود على منح تأشيرات إلى 76 سعودياً متهمين بـ«تهديد معارضين في الخارج»، وصرح «أنتوني بلينكن» وزير الخارجية الأميركي أن هذه العقوبات تندرج في إطار قاعدة جديدة أطلقت عليها الخارجية الأميركية اسم «حظر خاشقجي»، ويهدف هذا الحظر لمنع دخول أي شخص يتهم بالتعرض باسم سلطات بلاده لمعارضين أو صحافيين في الخارج.
جاء التقرير الأميركي بلا حقائق ولا معلومات مجرد استنتاجات وتقديرات مرسلة، وظنون لا تستند إلى أدلة أو براهين أمنية، أو حجة قانونية معتمدة، ويبدو أنه نُشر لغايات الاستهداف والابتزاز السياسي ولممارسة الضغوط السياسية على المملكة العربية السعودية.. تقرير رفضته الخارجية السعودية وأيدتها في رفضه دولٌ خليجية وعربية ومنظمات إسلامية ودولية رافضة وبشكل قاطع المساس بسيادة المملكة، أو التشكيك في استقلال قضائها، خاصة وإن القضاء السعودي اتخذ كافة إجراءات لتحقيق العدالة والمساءلة المتعلقة بجريمة القتل، والتي انتهت إلى صدور الأحكام القضائية الباتة والنهائية والرادعة عن ارتكاب مثل تلك الجرائم مستقبلاً.
تخبط سياسات الإدارة الأميركية الجديدة واضح بالنسبة للسعودية، وتتناقض التصريحات الرسمية الصادرة من واشنطن بين تصريحات مفادها أن «السعودية تمثل شريكاً مهماً في مجال الأمن»، حسب وزير الخارجية الأميركي، وبدعم السعودية في حماية أراضيها بعد كل ضربة من الضربات اليومية التي ينفذها «الحوثيون» وبين التصريحات الإعلامية المدوية بإدانة استمرار الحرب في اليمن والداعية لوقف الحرب اليمنية، وتعليق صفقات السلاح لكل من السعودية والإمارات في وقت تتناسى فيه الإدارة الأميركية الجديدة أن الحرب في اليمن بدأت في عهد الرئيس أوباما، الذي قدم دعماً للحكومة اليمنية المعترف بها دولياً، الموالية للرئيس عبد ربه منصور هادي، والتي تحارب الميليشيا «الحوثية» المدعومة من إيران، وساندت واشنطن دول «التحالف العربي» لإعادة الشرعية في اليمن، والتي تستند إلى قرار أممي صادر من مجلس الأمن عام 2016 تحت الفصل السابع، ونفذت واشنطن في عهد أوباما وترامب العديد من العمليات للقضاء على عناصر القاعدة والتنظيمات الإرهابية في اليمن.
تظل الحقيقة بأن العلاقات السعودية الأميركية هي علاقة تحالف استراتيجي على مر الإدارات «ديمقراطية» أم «جمهورية» رغم ما يعتريها من اختلافات حول بعض الملفات أو القضايا، لكن لا يمكن أن تصل تلك الاختلافات إلى درجة القطيعة، أو فك هذا الحلف الاستراتيجي، وتلك الحقيقة تدركها إدارة بايدن التي تتحدث عن إعادة «ضبط للعلاقات»، سواء كان التقرير تصفية حسابات، أو وعود انتخابية، أو معارك أميركية داخلية.