تواجه المملكة العربية السعودية تحديات مختلفة على أصعدة متعددة، استراتيجية وأمنية، علاوة على الجديد في علاقاتها بالولايات المتحدة الأميركية. فأميركا من ناحية تغض الطرف عن ممارسات إيران في المنطقة، وترفع التصنيف الإرهابي عن الميليشيات الحوثية، مما أكسب الأخيرةَ جرأةً على مضاعفة هجماتها بأسلحة إيرانية ضد المملكة، ومن ناحية أخرى، فالمملكة تواجه تصريحات أميركية مستفزة تمس سيادتها تحت ذرائع ومزاعم حقوقية تلوح بها إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن، وترتبط بتقرير المخابرات الأميركية (CIA) المبني على استنتاجات وتخمينات تفتقد إلى عنصر التوثيق القانوني فيما يتعلق بقضية مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي، والتي انتهت عند عتبات العدالة وبمراقبة أممية نال من خلالها الجناة ما استحقوه من عقاب تبعاً للتشريعات القضائية في المملكة.
وتعد المملكة العربية السعودية لاعباً أساسياً في السياسة العالمية، وضامناً رئيسياً لاستقرار منطقة الشرق الأوسط، ومحركاً اقتصادياً هاماً في أسواق النفط والطاقة العالمية، وعاملاً مهماً في استقرار أسعارهما.. وعليه، فإن أي مساس بأمن المملكة هو بلا شك مساس بمنطقة الشرق الأوسط برمتها، خصوصاً في منطقة الخليج المستقرة سياسياً واقتصادياً.
والسياسة الخارجية للمملكة تتسم بدرجة عالية من المصداقية والاتزان، سواء مع الولايات المتحدة أو مع غيرها. والجانب الأميركي، بنسختيه «الديمقراطية» و«الجمهورية»، يعي هذه الحقيقة، وبالتالي يعلم أهمية المملكة كحليف تاريخي أو بوصفها «الشريك» كما قال عنها الرئيس الحالي جو بايدن نفسه. فالسعودية سواء أكانت شريكاً أم حليفاً، هي دولة يُعتمد عليها في مجالات عدة، سواء في الأمن ومكافحة الإرهاب أو استقرار أسعار الطاقة، علاوة على ثقلها الإقليمي والعالمي الذي خولها اكتساب عضوية «مجموعة العشرين» الأقوى اقتصادياً في العالم.
وكل هذه الجوانب لا يستطيع الجانب الأميركي إغفالها أو إيجاد بديل بحجم المملكة العربية السعودية، وعليه فليس من المقبول في العلاقات الدولية والدبلوماسية التعامل مع المملكة بهذا الأسلوب المتعالي الذي لا يليق بسيادتها وحجمها، والذي يتسم بالإملاء أكثر من كونه إعادة ضبط للعلاقة كما صرّحت المتحدثة باسم البيت الأبيض يوم الاثنين الماضي. وهذا فضلاً عن أن الرئيس بايدن قد قضى خمسين عاماً في المعترك السياسي ولا ينبغي له أن يتعاطى وكأنه جديد على السياسة وعلى قضايا العلاقات الدولية. وما ورد في تصريح المتحدثة باسم البيت الأبيض حول إعادة ضبط العلاقة وأن المملكة لم تعد حليفاً كالسابق.. كل ذلك لن يؤدي في الواقع سوى إلى كسب مؤقت لبعض الزخم الإعلامي في «معركة المصطلحات»!
والسؤال الذي يطرح نفسه بعد أسبوع عاصف بالتصريحات والسجالات حول قضية خاشقجي ومحاولة توظيفها كورقة ضغط وابتزاز للمملكة: هل الهدف هو تصفية حسابات حزبية لنقض أي علاقات مستقرة بين إدارة الرئيس السابق ترامب وحلفائه، على حساب العلاقات الاستراتيجية والتاريخية مع المملكة، أم أن الأمر يتجاوز ذلك إلى محاولات جديدة للعب بالمنطقة وإشعالها بمعطيات جديدة وإعادة ترويج مخطط أوباما الذي فشل في عام 2011، من خلال قضية خاشقجي هذه المرة؟!
إن كان الأمر الأول، فاللعبة هزيلة ومؤسفة بحق دولة كأميركا، وإن كان الهدف تبني سيناريو جديد للخراب العربي، فالداخل السعودي يحظى بحصانة قوية تتمثل بشعب يحمل ولاءً عظيماً لأرضه وقيادته ولا تزيده الحملات المغرضة إلا صلابةً وتلاحماً، والأمر في نهاية المطاف بالنسبة لهذا الشعب وقيادته مجرد «زوبعة في فنجان»!