يبدو أن هناك كثيرا من الأشياء التي ستغير البيئة العامة التي يعيشها الناس في أرجاء العالم، تغيير يطول كل الأشياء ويسيطر على أعقد الأمور قبل أبسطها. أمور كانت شبه مستدامة تنحني اليوم أمام أكبر نقلة تقنية علمية يعيشها البشر. لعل التخوف الذي يعيشه كثيرون اليوم ويتضاعف باستمرار من سيطرة الآلات على الحياة، من الأشياء التي أصبحت بحكم الواقع.
فبعد أن كان الواحد منا يستغرب اندماج الشباب مع أجهزة مثل الألعاب الإلكترونية وحروب السايبر واللهو المستمر والتلاعب بأجهزة الهاتف الحديثة، صرنا نشاهد الكبار والصغار على حد سواء متماهين مع المفاهيم الجديدة سريعا. الكبار قبل الصغار يتجهون اليوم إلى البحث في أحدث الصرعات، ويدعم كل فئة أن هذه الأجهزة تقدم ما تحتاج إليه الجهة المستهدفة، وحين نعلم بأنه يمكن أن يمضي كبار السن نحو سبع ساعات لاهين في زوايا التطبيقات وما تقدمه من تحديات وتسلية وتذكارات، نعلم بأنها ستكون المؤثر الأهم في قراراتهم مهما بدا ذلك بعيد الاحتمال.
أقول هذا وأنا كلما فتحت موقعا أو تطبيقا وجدت التنافس على أشده بين المعلنين للحصول على فرصة جذب انتباه، و"بعض أموال" المتابع الذي يتم استدراجه بكل الوسائل. أقول، من المهم أن نلاحظ أن عمليات الدعوة هذه والإعلانات التي تسيطر على أجهزتنا اليوم تعتمد إلى حد كبير على بناء قاعدة بيانات المستخدمين، الأمر الذي اعترف به رئيس شركة جوجل في شهادته أمام الكونجرس الأمريكي العام الفائت.
قواعد البيانات هذه تباع بأعلى الأسعار، لأنها تتحول إلى مصدر رزق لأغلب الشركات، ووسيلة أمثل للتعرف على وجذب انتباه المستهلك. قد يستغرب الواحد منا كيف أنه حين يتوجه لتطبيق معين يشاهد مجموعة من الإعلانات التي تعالج اهتماماته هو "بالذات"، لكن حين نعرف السبب ينتهي العجب. إنها قواعد البيانات الضخمة التي تتعامل مع أعداد هائلة من المستهلكين ولا تغفل اهتمامات أي منهم.
التسويق الإلكتروني يبني على معلوماتي ومعلوماتك وليس هناك شخصية ضئيلة أو غير مهمة في عالم التواصل والتطبيقات، بل إن الجميع لهم بصماتهم الخاصة، وهناك من يبني على كل بصمة مزيدا من البيانات، ليصبح كل شيء مكشوفا لدى من يدفع للحصول على المعلومة، لهذا لا نستغرب أن أكبر خمس شركات في العالم هي شركات لا تملك سوى البيانات والقدرة على توصيلها، وبهذا ينتهي عصر سيطرت فيه المادة لمصلحة عصر المعلومة.