عانيت قبل أيام وهنا وإنهاكا ومزاجا سيئا. أحسست أنني مريض. غير قادر على القيام بأي شيء. لا جسدي ولا عقلي يساعداني على المبادرة بالحركة أو العمل. مهام عدة متراصة أمامي عاجز عن التعامل معها، إثر الشعور والمشاعر التي ترتديني. لا إراديا وجدتني اتصل بأحد الأصدقاء الذين أحبهم جدا. مكالمة دون أجندة أو تخطيط مسبق. لم تمتد المكالمة لأكثر من ثلاث دقائق، لكن فور أن أغلقت السماعة اجتاحتني طاقة إيجابية، بددت كل الأعراض السلبية التي انتابتني، وباشرت عملي بكل حماس وحيوية.
تساءلت بيني وبين نفسي، هل هناك علاقة أو وشيجة تربط بين بعض الأمراض والأعراض التي نمر بها ونعيشها، وبين حالتنا النفسية والأشخاص الذين نتواصل معهم. لم أطل التفكير بهذا التساؤل.
استرجعت مباشرة كتابا قيما قرأته مبكرا بعنوان، "العقل المريض" لمؤلفه "بول مارتن" الذي يتناول فيه هذا الارتباط، من خلال طرح علمي بديع.
يستهل المؤلف كتابه بقوله، إن "ما تم التوصل إليه في الآونة الأخيرة من اكتشافات علمية رائعة، قد كشفت عن أن عقل الإنسان ما إن ينصرف إلى التفكير في المرض، حتى يستجيب الجسم إلى ذلك التفكير فينتابه المرض فعلا". ويتناول الكتاب بالتفصيل مرض عدد من الشخصيات، إثر التحديات النفسية التي رزحوا تحت وطأتها.
وخلص "مارتن" من خلال تحليل بعض المراجع التي فحصها؛ إلى أن الفنانين هم أكثر عرضة لمرض التدرن، نظرا لرهافة أحاسيسهم التي كانت تفضي إلى تآكل أجسادهم. واستشهد المؤلف بـ"فرانز كافكا" الذي توفي في عام 1924 وعمره 41 عاما، مشيرا إلى أن موته كان نتيجة لعوامل نفسية، أهمها، اعتلال صحته نتيجة الحزن الدائم، وضعف جسمه بسبب الكآبة التي لاصقته، وتوتر علاقته بأبيه، وتفاقم مشكلاته في بيته.
وتناول الكتاب دراسة علمية للباحثين "مايير فريدمان" و"راي روزمان" في الخمسينيات من القرن الـ20، توصلا فيها إلى أن عددا كبيرا من مرضاهما الذين يعانون من مشكلات الشريان الأبهر مثلا، يشتركون بسمات شخصية تميزهم عن غيرهم. من تلك السمات، (النرفزة، وحدة الطباع، وعدم التروي). وأكدت دراستهما أن الأشخاص الذين تظهر عليهم تلك السلوكيات يكونون أكثر تعرضا لمخاطر الإصابة بأمراض القلب ومرض الشريان التاجي.
إذا؛ نستطيع أن ننأى بأنفسنا عن كثير من الأمراض بعد مشيئة الله، ثم الحرص على تحسين نمط تفكيرنا، والارتباط بشخصيات تسعدنا وتلهمنا. لا نستطيع تجاهل همومنا طوال الوقت، لكن بوسعنا أن نتفاداها بعض الوقت. صحة تفكيرنا تفضي إلى صحة أجسادنا، وقدرتنا على مواجهة تحديات الحياة. تذكر أن المشكلات لا تنتهي، لكن لا تدعها تنهيك.