تعتزم الدولة ضمن رؤية 2030 تحقيق تحول رقمي كبير، وتوجد ثلاثة قطاعات أساسية عليها أن تقود هذا التحول وهي الصحة والتعليم والمالية، ما يجمع هذه القطاعات هو استثمار الدولة الكبير فيها إضافة إلى استثمار القطاع الخاص. ولأن وزارة المالية أعلنت مؤخراً عن جهودها في التحول الرقمي، فإن من الواجب أن نبين التحديات التي يمكن أن تواجه كل القطاعات.

نستخدم اليوم منصات الخدمات العامة في البنوك والتعليم والأحوال الشخصية كثيراً، وكل هذه الأنظمة وإن مثلتها تطبيقات صغيرة فإن خلفها بنية معقدة تعمل في الكواليس، تتكون بنية هذه الأنظمة من ملايين الأسطر البرمجية التي تعمل من دون توقف لتوفير الخدمات التي نستخدمها يومياً، هذه الملايين من الأسطر بل مئات الملايين أحياناً هي ما نعني حين نتكلم عن الأنظمة الكبرى. تمثل هذه الأسطر البرمجية عالماً خفياً، قابعة في دهاليز التقنية وأقبيتها المظلمة، في هذا العالم توجد مناطق مفتوحة يمكن للجميع الإطلاع عليها بكل حرية، حتى إذا سرت في هذه المناطق قليلاً ستصل إلى مناطق مغلقة لا يسمح لك بدخولها إلا بإذن خاص، وإذا سرت أبعد بقليل ستصل إلى مناطق أخرى مهجورة لم يلجها أحد من عشرات السنين، هذا العالم الخفي الذي يتوارى خلف نافذة الجوال ونحن نضغط زر الدخول إلى أحد التطبيقات يزداد غموضاً وغرابة مع تضخمه كل يوم.

مشكلة وحْل البرمجيات ليست جديدة على المختصين ويعرفها كل من استثمر في التقنية، إنما الأثر الذي يحدثه الوقوع في الخطأ مضاعف بتضاعف حجم الأنظمة التي ستبنى في المستقبل،

وإذا قورنت المشروعات الأخرى بمشروعات البرمجيات، سنجد أن تصور بنية البرمجيات من أصعب الأمور، فإذا استطعت السير في طرق المدينة ورؤية أحيائها فلن تستطيع أن تفعل الشيء نفسه في النظم الكبرى، فإن كانت المدن على اليابسة، فمدن البرمجيات في أعماق المحيطات لا يرى منها إلا جزر صغيرة تطفو على السطح، فإذا بنيت هذه المدن عشوائياً، فإن المؤسسة ستقع حتماً في وحلها حتى يصعب الخروج منه إلا بتكاليف باهظة.

ومع تسارع الطلب على البرمجيات اليوم فإن الأنظمة تكبر والعشوائية تزيد، وقد توصلت عدد من الدراسات إلى وجود علاقة عكسية بين حجم المشروع وفرص نجاحه، فكلما زاد الحجم انخفضت فرص النجاح. ومازالت نسب النجاح ضئيلة إجمالاً، فإن تدنت فرص نجاح مشروعات البرمجيات المتوسطة ففرص نجاح المشروعات الكبرى تكاد تكون معدومة. فإذا استثمرت مؤسسة في مشروع برمجي كبير فإنها معرضة للوصول إلى نظام متدني الكفاءة ليس أمامها خيار سوى اعتماده على علاته، فإذا كان المشروع بنظرها فاشلاً وعليها أن تتعايش معه فقد وقعت في ما نتكلم عنه، ستبقى المؤسسة تصارع نظامها ما استطاعت إلى أن تقرر استبداله بتقنية أحدث، وقد تبقى في حلقة مفرغة هكذا ما لم تبحث عن حل في مكان آخر.