في الدستور الأميركي بند غريب في دساتير وحياة الأمم، هو حق المواطن في طلب السعادة. فمن يمكن للمرء أن يطلب السعادة؟ وما هي السعادة أولاً؟ هل هي حقيقة ممكنة أم حلم دائم؟ هل هو السعي أم الوصول؟ ما هي مقوماتها، الصحة أم المال أم الشهرة أم النفوذ أم الأمن أم الطمأنينة وراحة البال؟

كلها أسئلة مطروحة منذ أن وصل الإنسان إلى درجة الوعي، وأدرك أن الله خلقه جرماً في نظام كوني، إذا ما تعرّض للاختلال في دائرة، اختلَّت به جميع الدوائر. فالصحة مع الفقر مرض، والمال مع المرض حزن، والثروة مع الخوف جوع. لذلك فإن النظام، أو التوازن، هو أقرب الحالات إلى مفهوم السعادة. والنظام أيضاً دوائر، تبدأ بالفرد وتنتهي بالمجموعة، ومن ثم الدولة. ولا يمكن لأي مخلوق أن يكون سعيداً، إذا كانت الدولة منهارة من حوله. تصوَّر نفسك في قصر فيه عشرات الغرف وأجمل اللوحات، وله حديقة من حدائق بغداد الخلَّب القديمة، ولكن ليس لهذا القصر سقف في مطر الشتاء أو شمس الصيف.

مع تفتح مدارك الإنسان تعلم شيئاً فشيئاً الوصول إلى نظام يضمن مسيرة حياته مع الآخرين سماه الدولة. وحصّن أبواب هذا البيت بالقانون. وأدخل إلى نفسه الفرح بتطوير القانون إلى عدالة، والعدالة إلى بداهة منتظمة، مثل الليل والنهار. والماء والخبز. أي خلل في جسم الدولة يهد الجسم كله. تماماً مثل الإنسان.

التعميم خطأ جذري في قياس الأشياء. لكن شواذ القاعدة يبقى شواذها. ولذلك، قد تجد أن بعض اللبنانيين سعداء، لكنهم شعب بائس على العموم. وحزين. ويبكي في الأعياد. ويعاني الجوع. ويفيق وينام مذعوراً من المزيد من الانهيار في دخله، ومن أن يحتاج إلى دواء لا يملك ثمنه، ومن قسط مدرسي ليس في متناوله. أما رعبه الأعظم فأن يصبح من واجبه أن يهلل، لأن رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء اتفقا على تشكيل حكومة، معظمها من عتاة العاديين والأزلام، في زمن رهيب. زمن الفجيعة.

مع انهيار الدولة أصبح أمراً مفروغاً منه أن لا يبقى شيء في لبنان. وأن يصبح الشعب بائساً كله. وأن يصبح التعميم سهلاً ومقبولاً. لا أمن ولا رغيف ولا هناء ولا أمل ولا مواد غذائية، ولا مال إلاّ وسرق، ولا نفط للسيارات، ولا كهرباء، ولا من يحرق جبال القمامة وبحارها ومحيطاتها.

ماذا ينفع كل هذه الجنّة أنها بلا سقف؟ بلا دولة؟ بلا رحمة، بلا ذوق، بلا شعور. مرّ على لبنان عيد الأمهات، الذي هو أيضاً أول الربيع. وملأتنا أمهات ضحايا المرفأ دموعاً. ونهب السياسيون لون الربيع أيضاً.