تحمل التطورات السياسية والاجتماعية الحالية مؤشرات عدة نحو عمق هوة الخلاف بين الحكومة وفئات وشرائح المجتمع الكويتي كافة، لأسباب متعمدة في جزء كبير منها، ومفتعلة ايضا في جزء آخر لا يجوز اغفاله.

منذ زمن، يلاحظ من خلال ما يشهد فضاء تويتر في الكويت وخارجها، وكذلك تطبيق كلوب هاوس الحديث وقنوات يوتيوب، تعاظم حجم التذمر المشروع وغير المشروع في شتى ميادين الحياة، خصوصا في ما يخص تطبيق القانون والانتقائية على هذا الصعيد.

قد تكون هناك بعض المواقف المتحمسة والآراء المتهورة في التعبير، ولكن في المقابل هناك آراء رصينة تحدد طبيعة التحديات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والثقافية، التي تئن منها الكويت منذ عقود، والحلول المفقودة حكومياً.

هناك العديد من الآراء والمطالبات حتى وإن كانت مقتضبة ومنفعلة الطبيعة، إلا انها تشكل نوافذ نحو متطلبات الاصلاح واحتياجاته، في حال كانت هناك جهة رسمية تحرص على الابصار في كل وجهات النظر والمواقف، ورصد أيضا علمي دقيق لشروخ اجتماعية عميقة جداً، وليست نظرات عشوائية المنشأ.

نحن بحاجة إلى مبادرة حكومية تقر بوجود ظاهرة متفشية للاغتراب في المجتمع الكويتي، وتحديدا بين فئة الشباب، ومن ثم الاستعانة بفريق من المختصين خارج الفلك الانتقائي لتحديد مواضع الخلل ومسارات الحلول ضمن خطط دقيقة وواضحة الاهداف.

إن عملية تعزيز الانتماء والهوية الوطنية تحتاج إلى مصارحة ومكاشفة من دون إقصاء للرأي الآخر والآراء كافة، على أساس مشاركة شعبية واسعة ليس من جانب مجلس الأمة فقط، وإنما من قبل مؤسسات المجتمع المدني والتيارات السياسية والفكرية.

ومن دون ذلك، سينتهي المطاف بنا حكومة ومجلساً وشعباً في فخ الاغتراب المعقد والعميق اجتماعياً ضمن المجتمع الصغير الواحد، وهو أي الاغتراب Alienation ظاهرة اجتماعية تدفع المواطن إلى الانفصال عن هويته، وتحول دون اندماجه في المجتمع.

إننا نعيش حول محيط إقليمي غير مستقر، بل مضطرب سياسياً نتيجة تحديات خطرة ومخططات أخطر، لذا تصبح المصالحة الوطنية ضرورة حتمية من أجل استقرار الكويت، وتضافر الجهود في تحقيق إصلاحات سياسية شاملة، ضمن أجواء مفعمة بالتسامح والتفاهم والتفهم والتوافق والاتفاق.

ولعل البداية نحو تحقيق هذه الأهداف والطموحات والتطلعات الوطنية تكمن في صياغة لخطاب سياسي رسمي غير تقليدي، يعالج هذه الثغرات والشروخ ضمن مهنية عالية وبشفافية، ومن دون ذلك ستزداد الظروف والتحديات تعقيداً، وتصبح هوة الخلاف والتباين بين الشعب والحكومة أكثر عمقاً من أي وقت مضى.

انني لا أنشد المستحيل، وإنما أدعو إلى الالتفات الحكومي لظاهرة خطرة تهدد كيان المجتمع والدولة ككل نسيجاً وانتماء وهوية، فما نشهد هذه الأيام من تطورات ومستجدات سياسية واجتماعية معقدة هي نتيجة غياب القيادة الرسمية للرأي العام والشارع ككل، بميزان الحكمة الاجتماعية والسياسية والثقافية.

فقدنا في الماضي هذه القيادة للشارع، ودفعنا الثمن مكلفا للغاية، ولا بد من تعلم الدروس قبل الوقوع في المحظور السياسي والاجتماعي، ولعله أول دروس اليوم.