يصادف هذا اليوم، العيد العالمي للمسرح، ومن المفيد جداً تأمّل التجربة المسرحية العربية في مختلف لحظاتها التاريخية وطرح السؤال الكبير واللازمني لأنه يعود في كل مرة: لماذا لم نوجد مدرسة عربية للمسرح؟

إن الجهود المسرحية العربية، مهما كان أفقها العالمي الذي انفتحت عليه، غلبت عليها النزعات التجريبية الفردية ولم تشكل نموذجاً خاصاً.. لم تحل إشكالية التلقي التي زادت تعقيداً في السنوات الأخيرة، على الرغم من قيمة الجهود المبذولة، وكلها تجارب أصبحت اليوم تاريخاً أو جزءاً من التاريخ المسرحي العربي، وتستحق أن تُدرّس بالجدية التي تليق بها، لكن المراهنة عليها لحل معضلات التلقي والتوطين ليست أمراً صائباً دائماً، لم تعد هذه التجربة المسرحية سواء الحلقة أو الاحتفالية أو التجريبية العامة التراثية أو الحاضرة تغري الشباب المتطلع إلى تجارب أخرى جعلتها العولمة الثقافية، ووسائل الاتصال الحديثة، ترتبط أكثر بما يمارس عالمياً مع القبول المسبق بالحقيقة المرة التي مسَّت كل الفنون والآداب: التخلي عن الممارسات الماضية التي على الرغم من حداثتها، لم تخرج أيضاً من قدامة قتلتها أكثر مما أفادتها.

إن الأشكال المسرحية المعاصرة التي تتناغم فيها القصة بالسينوغرافيا المتحررة من كل القيود، والإضاءة المشبعة بالتكنولوجية الحديثة، واللغة البيضاء التي تصل إلى جمهورها بطريقة أسهل، أصبحت هي مبتغى المسرح الجديد.

من هنا نكتشف أن التجربة المسرحية في العالم العربي، طرحت مجموعة من المعضلات أكثر مما قدمت حلولاً للمشكلة البنيوية للمسرح، فقد شغلت أجيالاً بكاملها، دون أن تصل بالمسرح العربي إلى بر الأمان نهائياً، لغة المسرح نفسها طرحت إشكالات متعددة.. بأيّّ لغة يتحدث الممثل؟ العربية الفصحى؟ العامية؟ الأجنبية؟ أي جمهور سيفهمه عربياً؟

هناك من المسرحيين العرب من ذهب نحو اللغة البيضاء، والبعض الآخر سلك مسلكاً تجديدياً جديداً على المسرح العربي، فقد أحدثت مسرحية GPS لمخرجها محمد شرشال، مثلاً، قطيعة جذرية في المسألة اللغوية، ذهبت إلى أبعد نقطة في التجريد اللغوي: اللاَّلُغة، وعالجت فكرة فلسفيَّة شديدة العمق وتتلخص في ضياع الإنسان المعاصر بين أفكاره وما اعتمده كمبادئ، وعلاقته بالزمن الذي يأكل كل شيء دون أن ننتبه له، لكن فعلاً جريئاً كهذا يحتاج إلى تغيير جوهري في بنى التلقي، ليس فقط على المستوى الفكري ولكن على المستوى البنيوي.

الجمهور في النهاية، بمن في ذلك الجمهور في الغرب، هو ثمرة ثقافة تكوين مسرحي وثقافة مسبقة، ثم حتى ولو افترضنا أنه يمكن الاعتماد على جمهور تعود على اللغة الشعبية المتداولة التي يفهمها الجميع، والأسواق والأماكن المفتوحة، يحتاج افتراض مثل هذا إلى تغيير بنية المسرح والتفكير في هندسة أخرى تقرب أكثر في الأجساد (المكان) والأصوات (اللغة)، ومغادرة الركح الكلاسيكي أو العلبة الإيطالية.