يتحدثون كثيراً عن «العراق الجديد» دون أن يدركوا أنه لن يكون هناك جديد، ما بقيت النخب السياسية والمذهبية على حالتها.

لن يشيّد العراق سوى الشباب الطموح الذي يشكل أغلبية السكان، ولن يشيّده سوى أولئك العلماء والمفكرين، والخبراء والأكاديميين، والاقتصاديين والمهندسين.

لدى العراق آفاق عديدة للإبداع السياسي، وتحطيم الدائرة المفرّغة التي أصابت البلاد بالدوار، أو حسب العبارة الأسطورية للمهندسة العراقية العالمية «زها حديد»، فإنّ «هناك 360 درجة، لماذا نتقيد بدرجة واحدة فقط؟».

من السهل أن يدرك المرء أن لدى العراق نخبة خارجية وداخليّة بإمكانها صناعة المستقبل لدولة متقدمة، من دون الحاجة إلى عونٍ خارجي.

في عام 2017 صدر في الولايات المتحدة الأمريكية كتاب «العالم ليس مستطيلاً» للكاتبة والرسامة الأمريكية «جانيت وينتر»، والذي يروي قصة حياة العبقرية زها حديد، بعد خمس سنوات على رحيل المهندسة الأسطورية يجب أن تظل قدرتها على منح الأمل حاضرةً بلا انقطاع، إن المهندسة الموصليّة التي درست في بغداد وبيروت ولندن أصبحت واحدة من أهم نجوم الهندسة المعمارية في العالم.. إنها العراقية الأكثر عولمة على الإطلاق، ففي آسيا وأوروبا وأمريكا توجد معالم معمارية هي نتاج تلك الرائعة التي أبهرت الجميع.

وأتذكر في أثناء زيارتي إلى مدينة غوانزو الصينية، أنني وقفت مشدوهاً أمام المبنى المذهل الذي يقع في منطقة حديثة ساحرة، ثم عرفت أن التصميم يعود إلى المهندسة زها حديد، لقد تكرر الأمر في أوروبا أكثر من مرة، وفي كل مرة كنت أنبهر من القدرة على الجرأة، والإقدام على الخيال، إلى هذا الحدّ المدهش.

أثبتت زها حديد حقاً أن العالم ليس مستطيلاً، كما أنه ليس مربعاً ولا مثلثاً، ولا حتى دائرياً، بل هو كل ذلك وغيره.. إنها تفعل ما يحلو لها، وتتعامل مع المبنى كأنه قطعة عجين بين يديها تشكلها كيفما تشاء.

زها حديد هي «طِفلة الرمل» التي حوّلت الألعاب والخيال والفوضى إلى هندسة وعمارة وحقائق على الأرض، في كل مبنى قامت العالمية زها حديد بتصميمه توجد فيلسوفة وراء المهندسة، وطفلة وراء المصممة، إنها تلهو بالأساس والأسقف والواجهات، كما أنها تلهو بالمنحنيات والتموّجات، وتسيطر على الأقواس والنتوءات، تضع هذا الجزء فوق هذا الجزء، وتطلق هذه الموجة فوق هذه السحابة، من دون اكتراث أو قلق.

لقد نجحت «طفلة الرمل» في أن تمنحنا أيقونات، ستظل من أبدع ما أنجزت الهندسة في القرن الحادي والعشرين، وحين يتأمل المرء تلك الأعمال الكثيرة والمذهلة الحائزة جائزة «بريتزكر» المرموقة والتي تلقب بجائزة نوبل المعمارية، يندهش كثيراً، كيف استطاعت مهندسة عراقية أن تسهم في كل هذا الشموخ والجمال، بينما العراق لا يزال ينتظر ما يفعله الساسة؟.. زها حديد هي العراق الذي نريد.