فرحت كثيرا بتطوير خدمات الطب النفسي، ليس بسبب عدد المرضى، ولكن بسبب احتمالات تزايد عدد المرضى وتفشي الأمراض النفسية في المجتمع، نتيجة تدهور واحتقان الأوضاع السياسية.

فرحتي بحجم إحباط سنين من عمر هذا الوطن الغالي، وبحجم مفاجآت حملتها الأيام وجعلتنا نكابدها مرغمين وليس مخيرين بالقبول بخيبة الأمل والإحباط السياسي!

فتطور الخدمات النفسية أصبح خبراً مفرحاً، حتى يجد المواطن على الأقل الرعاية المناسبة حين تتعاظم حالات الإحباط أكثر مما هي عليه اليوم!

أنا وربما مثلي كثر حزينون على تدهور الوضع العام، وتلاشي بريق الإصلاح، الذي استغله كثيرون للوصول إلى مناصب عليا وتكوين ثروات على حساب البلد!

البعض دخلوا بوابة الوزارة، وآخرون بوابة مجلس الأمة، واليوم هم في مقدمة صفوف ذوي النفوذ، لكن الإصلاح من تاريخ الماضي، الذي بات محل تندر في مجالسهم، بعد أن تحققت مصالحهم.

فقد وصل هؤلاء إلى مواقع مؤثرة في ترشيح الوزراء والقياديين، وأيضا في إقصاء من لا يسير على هواهم!

حالات الاكتئاب وفقا لوزارة الصحة «قد تصل الى %30» مما استدعى الوزارة إلى اطلاق حملة «تقبل» من أجل معالجة ظاهرة انتشار حالات الاكتئاب، خصوصا بين الشباب من الجنسين.

«تقبل»، بالتأكيد توجه سيكولوجي سليم إذا كانت مصادر الاكتئاب اجتماعية بحتة، لكن حالات الاكتئاب ليست بالضرورة اليوم أن تكون اجتماعية ونفسية المصادر، بل ممكن أن تكون سياسية، فالشعور بالإحباط ليس بسبب الضغوط النفسية، وإنما بسبب اصطدام المواطن والشباب تحديدا بمعوقات وتعقيدات تدفع نحو الإحباط والاغتراب من واقع مثقل بترسبات سياسية معقدة، خصوصا إذا كان الانسان بسيطا وليس بيده إلا شهادة علمية وليس نفوذا!

من بين ما اتذكر شخصيات ركبت -شكليا- أمواج «المعارضة» حتى في التسعينات حين تم الاعلان عن التجمع الوطني الديموقراطي.

حضرت اجتماعات متتالية وماراثونية في مرحلة التأسيس من دون أي التزام، فقد كنت غير مقتنع حينها، أو بالأحرى متوجساً من أن ليس جميع من حضروا يمكن أن يكملوا مسيرة العمل السياسي بالتزام، وهو ما برهنته الأيام فيما بعد حين تبلور رسميا قيام التجمع الوطني الديموقراطي، وصدرت عنه مجلة «كويت المستقبل»، التي ترأسها الدكتور يوسف الابراهيم المستشار السابق في الديوان الأميري.

تفكك التجمع لأسباب مختلفة ومنها ربما عدم انسجام جميع الأعضاء، والغيرة التي برزت لدى البعض الاخر بسبب عدم حصولهم على مناصب وزارية أو نيابية، كما حصل عليها بعض الأعضاء الاخرين، ومن ثم نشأ تحالف سياسي، وهو ما يعرف اليوم بالتحالف الديموقراطي الوطني كمظلة سياسية جامعة للتجمع الوطني والمنبر الديموقراطي، ولكن سرعان ما عاد التشرذم السياسي ضمن قوى يفترض أن تكون متلاقية ومتوافقة فكريا وسياسياً، علما بان التحالف ليس له جمعية عمومية كما كان له سابقا.

لم يسلم العمل الوطني من المتزلفين، الذين مشوا في وقت من الأوقات في التظاهرات وأسهموا في قيام تجمعات سياسية شتى، بينما هناك -لله الحمد- حكماء وشرفاء لم تغرهم المناصب ولا ثروات غير مشروعة ولا بريق واجهات سياسية زائفة.

لكن يظل ملاذ المحبطين سياسياً ربما الطب النفسي!