سقطت آخر المحاولات الفرنسية لاحداث اختراق جدي في جدار ازمة تأليف حكومة جديدة عالقة في عنق الزجاجة منذ اكثر من ثمانية اشهر. فمع فشل المحاولات لجمع الرئيس المكلف سعد الحريري بالوزير السابق جبران باسيل في باريس على قاعدة اختصار المشكلة بلقاء بين الرجلين، تراجعت المحاولات الفرنسية عبر الديبلوماسية، لتحل محلها فكرة اصدار حزمة عقوبات فرنسية – اوروبية بحق معرقلي تشكيل الحكومة، و خصوصا ان وزير الخارجية الفرنسي جان ايف لودريان اعلن في جلسة استماع للحكومة في الجمعية الوطنية ان بلاده تتجه الى فرض عقوبات. في هذه الاثناء أتت زيارة وزير الخارجية المصري سامح شكري الأربعاء الفائت لتشير من خلال برنامج اللقاءات “المدروس” و استثاء كل من جبران باسيل و”#حزب الله” الى ان ثمة وجهة نظر أخرى غير وجهة النظر الفرنسية تتعلق بطبيعة الازمة اللبنانية التي لا يمكن اختصارها بمجرد لقاء شخصين، إضافة الى ان زيارة شكري اشرت الى ان الجانب غير المرئي من الازمة، و هو المتعلق بواقع ان لبنان واقع تحت سيطرة “حزب الله”. بناء عليه فإن أي حكومة تتشكل وفق التشكيل السياسي لمجلس النواب لا بد ان تأتي خاضعة لمنطق غلبة “حزب الله”. من هنا التشديد العربي و الدولي على ان لبنان يحتاج اليوم الى حكومة مؤلفة من وزراء مستقلين اكثر مما يحتاج الى وزراء يمثلون القوى السياسية الرئيسية، نظرا الى حاجته الى مساعدة المجتمع الدولي، والدول العربية الوازنة لمساعدته على الخروج من ازمته المالية والاقتصادية الخانقة. و بما ان “حزب الله” يشكل احد الجوانب الأساسية للازمة من خلال طبيعته العسكرية و الأمنية التابعة لمحور تقوده طهران، وهو متورط في صراعات عسكرية – امنية في المنطقة اضرت بموقع لبنان في العالم العربي الى حد عزله بعد ان تحول الى قاعدة انطلاق لتحقيق اهداف المحور الإيراني، فإن اي بحث جدي في حل الازمة المالية و الاقتصادية الراهنة لا يستقيم من دون طرح إشكالية دور الحزب و طبيعته.

جاءت زيارة الوزير شكري، ثم زيارة الأمين العام المساعد للجامعة العربية حسام زكي أيضا من اجل التأكيد على تشدد المحور العربي في حماية “اتفاق الطائف”، و الدستور المنبثق عنه، إضافة الى ابراز دعم العالم العربي للبطريركية المارونية، و لشخص البطريرك بشارة #الراعي، ومواقفه التي تشكل اليوم حجر الرحى في حماية لبنان الكيان من خطر الذوبان، او تغيير طبيعته بفعل سطوة السلاح غير الشرعي. من هنا يمكن القول ان في لبنان اليوم جبهة “حزب الله” المهيمن بسلاحه لممارسة طغيانه السياسي والمعنوي، وجبهة تقودها البطريركية المارونية التي قررت ان تحمل لواء الدفاع عن الكيان اللبناني، من خلال طرح #الحياد الناشط ، ثم المطالبة بعقد مؤتمر دولي حول لبنان لحماية لبنان وسط الانواء الإقليمية. في هذا الوقت تدور في الساحة السياسية اللبنانية معارك إعلامية وسياسية هامشية تحاول ان تحجب اصل الازمة التي تنقسم ما بين فساد معظم الطاقم السياسي المجرم، و احتلال “حزب الله” القرار الوطني بقوة السلاح. كل هذا للاستنتاج بأن أي حل حقيقي للازمة اللبنانية لا يمر بتشكيل حكومة كيفما اتفق الامر بل بحكومة مختلفة عما سبق طرحها الفرنسيون أصلا في “الطبعة الأولى” للمبادرة. هذا هو بيت القصيد !