حسناً فعلت جريدة القبس الكويتية، بإعادة نشر جملة من حوارات رئيس تحريرها السابق، النائب والسياسي الكويتي محمد جاسم الصقر، مع نخبة من الزعماء العرب، تمّت قبل نحو 3 عقود.
تملك الصحف والمؤسسات الإعلامية العربية، والكويتية منها، أرشيفاً ثريّاً، لم يتجمّد، ولن يتجمّد، في ثلاجات المتاحف الغابرة، كما يتوهم، بجهل أو استخفاف بعض المتطفلين على سوق الصحافة وصناعة الإعلام، من طفيليات السوشيال ميديا الجدد... بكل حال هذا حديث فسيح له شأنه عن أفق النظر الصحيح.
بالعودة إلى صنيع «القبس» الكويتية في ذخيرتها من الموادّ الصحافية الثمينة، نمرّ النظر، ولو لماماً، على هذه المادّة المثيرة.
في عددها الصادر بتاريخ 19 سبتمبر (أيلول) 1985 نشرت الصحيفة إعادة لحوار أجراه محمد جاسم الصقر، مع الزعيم الليبي، قائد الثورة الشعبية الجماهيرية الاشتراكية العظمى «الأخ القائد» العقيد معمّر القذافي.
الرجل في دار الحق، ورحم الله كل الراحلين، لكن بلا ريب فإن أفكار وسياسات وعمليات وتصريحات، وتدخلات، ودولارات، معمر القذافي كانت مضرّة غاية الضرر بالصالح العربي والإسلامي، ومن ذلك بالأصالة، الصالح الليبي.
نستعيد بعض آراء وسياسات العقيد الأخضر بحوار «القبس»...
عن مشروعه لإقامة اتحاد عربي شامل يضمّ جميع الدول العربية ويتولى رئاسته الزعماء العرب بالتناوب... حسناً، وماذا بعد ذلك؟
حذّر القذافي من أن فشل المشروع سيؤدي إلى التمرد والثورة والفوضى في كل العالم العربي... بل ذهب أبعد من ذلك، وقال: «إنه سيكون أول من يشجّع على هذه الفوضى الشاملة التي يأتي بعدها إنقاذ الأمة العربية».
وقد كانت الفوضى حقاً، وشهدها الرجل بنفسه في بلاده، التي كان يظن أنه بمنأى عنها، وأنه سالم من خطط التخريب والفوضى التي كان يصنعها أو يساهم فيها ضد الدول العربية، لكن شواظ النار، نار الفوضى، مسّ ثوب نظامه الليبي، وكلنا رأينا كيف كانت نهايته المحزنة، أمام الكاميرات. لم تتوقف الإبداعات القذافية عند هذا الحدّ، ففي هذا الحوار صوّر القذافي حرب الخليج (أي الحرب وقتها بين العراق وإيران، وكانت دول الخليج، وهذا موقف طبيعي، تدافع عن أمنها من خلال دعم «حامي البوابة الشرقية») بأنها حرب بين المعسكر الأميركي والمعسكر المضاد لأميركا، قائلاً إنه لا يمكن أن يقاتل إلا في المعسكر الثوري «حتى لو تمكنت إيران من أن تأخذ بلاد العرب كلها».
لماذا نعرض لهذا الماضي من إبداعات القذافي؟ ربما قيل تلك أمة قد خلت... لكن الحال أن مثل هذه الآراء متكررة، والأخطر من ذلك نشطة، حتى اليوم.
القذافي... ثقافة، وليس رجلاً جاء وذهب!