تستفيد جماعة «الإخوان المسلمين» في أوروبا من قوانين الهجرة الأوروبية المرنة، وتجد أحضاناً دافئة تتوسع فيها بشكل أكثر راحة لتمارس من خلالها أنشطتها وتوثق ترابطاتها الحزبية في عدة دول عربية وغربية، كتنظيم عابر لحدود الوطنية وتمتد ترابطاته من الدول العربية إلى أميركا وكندا وأوروبا، منذ أن بدأت هجرة الجماعة وتأسيس التنظيم الدولي على يد سعيد رمضان -صهر «حسن البنا»- في خمسينيات القرن الماضي. والآن أصبحت الجماعة (وحزبها) تدار كلياً من الخارج بعد ثورة 30 يونيو في مصر، وبصفة خاصة على يد إبراهيم منير، المرشد الذي يمارس نشاطه انطلاقاً من لندن.
لقد شدد النائب البرلماني الألماني ستيفان تومي، قبل عام تقريباً، على ضرورة فرض رقابة أمنية على جماعة الإخوان، قائلاً: إن مراقبتها أصعب من مراقبة عناصر التنظيمات الإرهابية الأخرى مثل «داعش» و«القاعدة»، باعتبار أن التنظيمين الأخيرين يعمل في العلن والخفاء لضرب المصالح الألمانية ونشر الإرهاب، خلافاً لجماعة الإخوان التي تظهر عكس ما تبطن وتعمل في دهاليز مظلمة وقنوات خفية. وشدد البرلماني الألماني على »أن الإخوان تنظيم لا يختلف عن بقية التنظيمات الإرهابية الأخرى من حيث الأهداف، فجميعها تنظيمات تسعى لإقامة دولة إسلامية على الأراضي الألمانية. وطالب السلطات بتكثيف المراقبة بشكل مكثف على جماعة الإخوان الإرهابية، خاصة فيما يتعلق بأنشطتها المالية التي سوف تقود إلى منابع تمويلها وترابطاتها المشبوهة، وبالتالي كشف خططها التخريبية والتصدي لها.

هذا بالإضافة إلى تصريح السفير الألماني في القاهرة قبل أيام، عندما شدد على أن كل الجماعات المحظورة في ألمانيا غير شرعية وغير مصرح لها بمزاولة أي نشاط حزبي. وهو ما ينطبق أيضاً على أعضاء الجماعة القابعين في تركيا بعد تقييد السلطات التركية مؤخراً لأنشطتهم الإعلامية، إذ باتوا يبحثون الآن عن ملاذ آخر.
وفي تقرير مفصل للباحث في شؤون الجماعات الإسلامية إبراهيم فرغلي، يذكر أن جماعة الإخوان في ألمانيا لها إطاران للتحرك؛ الأول رسمي عن طريق 3 كيانات إسلامية كبرى هي: «المجلس المركزي للمسلمين في ألمانيا»، و«المؤسسة الإسلامية لألمانيا» (تتحكم في نحو 60 مركزاً إسلامياً)، وإطار آخر غير رسمي يتمثل في الأفراد المنتمين للإخوان من خارج الإطار التنظيمي، وهم يتولون مهمة إدارة عدد من الجمعيات والمنظمات الأصغر التي تقوم بأدوار بعيدة عن الإطار الديني، بغية جذب تعاطف الأوروبيين مع أفكار الإخوان، عبر تسويقها في إطار علماني يستهدف الدفاع عن الديمقراطية وحقوق الإنسان. وهذه هي نقطة اختلاف التنظيم الإخواني عن بقية التنظيمات الإرهابية الأخرى، التي لا تندمج في المجتمعات الأوروبية بل تنفذ مخططاتها مباشرة، بينما ينتهج الإخوان استراتيجية طول النفس والتكتيك بعيد المدى. ويذكر الباحث فرغلي أن الإخوان يستغلون حالة الغربة وفقدان الهوية التي يعاني منها بعض المسلمين المهاجرين، وصعوبة اندماجهم في المجتمعات الأوروبية، فيخلقون لهم فكرة «الجيتو» التي يبدأ من خلالها الترويج لفكرة الخلافة الإسلامية.
وأصدرت هيئة حماية الدستور الألمانية تقريراً مهماً يكشف بعض الأوراق التي يلعب بها الإخوان، ويبين حقيقة الإخواني من أصول مصرية سعد الجزار، باعتباره شخصية مركزية للإخوان في شرق ألمانيا والبديل التاريخي لسعيد رمضان (صهر البنّا)، الذي يعد أول من اتخذ للإخوان موطأ قدم في ألمانيا. والجزار هو مؤسس «ملتقى ساكسونيا للتبادل الثقافي» الذي أوقفت نشاطه السلطات الألمانية، بعد أن رفض الإفصاح عن مصادر تمويله، مدعياً أنها تبرعات من مسلمي ألمانيا!
وتتعدد الشخصيات الإخوانية في مدن ألمانيا، وكذلك مؤسساتهم التي تتدثر بأردية مختلفة؛ منها الثقافي والتجاري والاجتماعي وخلافه. وهذا ينطبق على عدد من الدول الأوروبية التي اتخذ منها الإخوان ساحة لنشاطاتهم المشبوهة. لكن الأهم أن أوروبا تنبّهت لخطر هذه الجماعة بعد أحداث دامية وتفجيرات متعددة كان للإخوان صلة وثيقة بها. والمأمول حالياً هو أن تعي ألمانيا ودول الغرب بشكل عام أن جماعة الإخوان هي «الرحم» الذي خرجت منه جميع التنظيمات الإرهابية المتأسلمة الأخرى!