نهاية الأسبوع الماضي رسم تقرير وضعه عدد من الخبراء في وكالة الاستخبارات الأميركية صورة قاتمة لمستقبل العالم. بالأحرى قال التقرير إن العالم يسير إلى مستقبل أسود، لأسباب كثيرة ناتجة عن جائحة «كورونا»، لكنها في الواقع تتجاوز الإطار الصحي لشعوب دول العالم، وتصل إلى مخاطر تعميق التفاوت الاقتصادي، واستنزاف الموارد الحكومية، وحتى تأجيج المشاعر القومية، وما يمكن أن تؤدي إليه من النزاعات وروح العداء، بدلاً من التعاون الدولي المطلوب بإلحاح كبير.
وحسب المعلومات التي نُشرت، فقد تم إبراز هذه التوقعات أو الخلاصات المقلقة، لا بل الخطيرة، في متن تقرير بعنوان «الاتجاهات العالمية» الصادر عن مجلس الاستخبارات الوطني التابع للإدارة الأميركية، والذي يصدر عادةً كل أربعة أعوام، كمحاولة لرسم طريق العمل الأفضل أمام صانعي السياسات والمؤسسات، بما يساعد على تصويب توقعات وخطط القوى الاقتصادية والبيئية والتكنولوجية والديموغرافية التي يمكن أن تشكّل العالم خلال العقدين المقبلين.
ولأن منطلق التقرير هو التركيز على الآثار المدمرة تقريباً التي قد تتركها جائحة «كورونا»، فقد كان من المثير للحذر العميق أن يتحدث التقرير عمّا وصفه بأنه «الاضطراب العالمي والفردي الأكثر أهمية منذ الحرب العالمية الثانية، الذي تصحبه تداعيات صحية واقتصادية وسياسية وأمنية ستستمر للسنوات المقبلة».
وفي السياق الأكثر حساسية، قال التقرير بشكل حاسم ومقلق أيضاً، إن جائحة «كورونا» هزّت الفرضيات القائمة منذ فترة طويلة حول مرونة العالم وقدرته على التكيّف، وخلقت شكوكاً عميقة حول الاقتصاد والحوكمة والشبكة الدولية للجغرافيا السياسية والتكنولوجية، وإضافة إلى كل هذا حذّر التقرير من عوامل عدة حياتية تثير القلق، لأنها ستصيب عميقاً مجالات التعليم وآثار تغيير المناخ التي من المرجح أن تؤدي إلى تفاقم مشكلة الأمن الغذائي في البلدان الفقيرة، في ظل الأزمات الاقتصادية والإنتاجية المتعاظمة، ما سيؤدي إلى تسريع حركة الهجرات العالمية. وحذّر التقرير من أن التنافس المتزايد بين الدول، على القيادة والهيمنة في العلوم والتكنولوجيا لمواجهة «كورونا» سيزيد من مخاطر محتملة على الأمن الاقتصادي والعسكري.
ولكي تكتمل صورة أننا قد نتجه فعلاً إلى عالم أسود بسبب «كورونا»، يركز التقرير على التحذير الجاد من تآكل الثقة بالحكومات والمؤسسات، ومن توسّع فجوة الثقة بين عامة الناس نتيجة الانعزال والفرق في مستوى الوعي والاستنارة بين أبناء المجتمع الواحد حيال التعامل مع الوباء!
يوم الاثنين الماضي أعلن الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، عن أسفه لأن جائحة «كورونا»، سواء تعلّق الأمر بالتلقيح أو بالمساعدات الاقتصادية والتعاون الدولي، أثبتت حتى الآن أنها على مستوى العمل المتعاون المتعدد الأطراف قد فشلت. وكان غوتيريش يتحدث أمام منتدي تمويل التنمية في الأمم المتحدة، واعترف بأن «دعم الاستجابة العالمية المنصفة والانتعاش الاقتصادي في مواجهة الجائحة هو اختبار للتعددية المتعاونة، وهذا اختبار فشلنا فيه حتى الآن».
ومن الواضح تماماً أن نقص التضامن الدولي في توزيع اللقاحات ينسحب أيضاً وبصورة أعمق على المساعدات الاقتصادية، ورغم أن بعض الدول اعتمدت برامج إغاثة بالمليارات، فإن عدداً كبيراً من الدول النامية يواجه أعباء ديون يستحيل التغلب عليها. ويقول غوتيريش إن جائحة «كورونا» تسببت حتى الآن في أكثر من ثلاثة ملايين وفاة منذ ديسمبر (كانون الأول) 2019، وتسببت في أسوأ ركود اقتصادي منذ 90 عاماً، وأعادت 120 مليون شخص إلى الفقر المدقع، بينما فقد العالم أكثر من 255 مليون وظيفة، وكل هذه العوامل يمكن أن تساعدنا في فهم خلفيات التقرير المهم للاستخبارات الأميركية وتوقعاتها السوداء لمستقبل العالم!
وبالتوازي مع تصريحات غوتيريش (الاثنين)، كانت رئيسة الفريق التقني المعنيّ بمكافحة وباء «كورونا» ماريا فان خيركوف، تعلن في مؤتمر صحافي أن العالم يشهد حالياً مرحلة حرجة للوباء، مؤكدةً أن مسار الجائحة بات في ازدياد مستمر وهو يتنامى بشكل مطّرد، وهو ما لم يكن متوقعاً قبل عدة أشهر، وأعطت في السياق أرقاماً مخيفة عندما قالت إن عدد الإصابات ارتفع الأسبوع الماضي بمعدل 9%بينما ارتفعت نسبة الوفيات بمعدل 5%.
يوم الاثنين 28 يناير (كانون الثاني) الماضي وعلى هامش «حوار دافوس» للمنتدى الاقتصادي العالمي، نشرت منظمة «أوكسفام» غير الحكومية تقريراً عن حال العالم بعد اندلاع جائحة «كورونا» طارحة السؤال:
ماذا لو تبرّع 10 مليارديرات فقط بما كسبوه في عام «كورونا»؟ وقالت إن ما كسبه هؤلاء الأشخاص العشرة في عام هو فقط 540 مليار دولار، وإن إجمالي ثروات مليارديرات العالم يعادل مجموع ما أنفقته حكومات «مجموعة العشرين» على جهود مكافحة «كورونا»، وهو ما يستدعي فرض ضرائب على فاحشي الثراء.
ووفقاً لتقديرات «أوكسفام» فقد زادت ثروات المليارديرات في جميع أنحاء العالم بمقدار 3.9 تريليون دولار بين 18 مارس (آذار) و31 ديسمبر من العام الماضي، وهي تصل الآن إلى 11.95 تريليون دولار، بينما زاد العدد في نادي الفقراء أكثر 500 مليون شخص.
في عام 1918 ضرب فيروس «الإنفلونزا الإسبانية» الكرة الأرضية، وتفشى ليصيب ثلت البشر في ذلك الزمن، وقتل 50 مليوناً، بعدما أصاب 500 مليون شخص، ولهذا فإن «كورونا» ليس أول وباء كارثة ولن يكون الأخير، ليبقى السؤال الأعمق: ماذا يتعلم البشر من مآسيهم؟ عجباً!