الاستعداد لعالم ما بعد الجائحة بات صيحة الحال منذ نادت الأمم المتحدة، في تقرير لها صدر في ديسمبر، لإعداد العدة لما سوف يأتي بعد أن اعتصرت أزمة «كورونا» العالم بأغنيائه وفقرائه.

التقرير لا يريد بنا أن نعود إلى عالم ما قبل الفيروس التاجي، هو يريد لنا أن نتجاوزه في كل المجالات حتى لا يكون هناك وباء آخر، وحتى نكون أكثر اهتماماً بكوكب الأرض مما كنا عليه من قبل. دول العالم المخالفة آخذة هي الأخرى في الاستعداد، كما كان الحال قبل نهايات الكوارث الكبرى التي ألمت بالإنسانية مثل «الكساد العظيم» والحرب العالمية الثانية التي جاءت بعده.

هناك على أية حال، نوبة من التفاؤل حول نوع ما من الانتعاش الاقتصادي القادم. صدر تقرير آفاق الاقتصاد العالمي 2021 الذي أصدره صندوق النقد الدولي في أبريل، عاكساً قدراً كبيراً من التفاؤل حول مستقبل الاقتصاد العالمي، حتى أن معدل النمو يمكنه الوصول إلى أكثر من 6 %.

مثل ذلك قفزة كبيرة عن التنبؤات المتشائمة السابقة، والتي توقعت نمواً بـ 5.5 % قبل ثلاثة شهور، ونمواً أقل 4.4 % في عام 2022. المتوقع طبقاً للتقرير أن تقود الصين والولايات المتحدة الاقتصاد العالمي في هذا النمو، يتبعها الدول المتقدمة الأخرى حتى تعود إلى مستويات النمو السابقة على الجائحة؛ أما الدول النامية فليس متوقعاً أن تصل إلى معدلات النمو هذه قبل عام 2023.

المعلومات عن أمريكا كثيرة ومتوالية في الإعلام العالمي، بدأت بما طلبته إدارة بايدن من الكونغرس وحصلت عليه باعتماد 1.9 تريليون دولار لمكافحة «كورونا» والانتهاء من الفيروس مع منتصف العام تقريباً؛ وبعدها طلبت 2.3 تريليون دولار كحزمة لتحفيز الاقتصاد وإعادة بناء البنية الأساسية المادية والبشرية.

الأمر هكذا فيه عودة للاستراتيجيات الكنزية التي تم تطبيقها بعد الكساد العظيم، والتي اعتمدت على الإنفاق الحكومي الهائل لتحفيز الطلب، فيقوم العرض والتشغيل من أجل تلبية الحاجات الاقتصادية.

وبالفعل فإن الاقتصاد الأمريكي آخذ في الاستجابة، حيث أعيد توظيف ما يقرب من مليون عاطل. تدور عجلة الاقتصاد هكذا، ليس فقط في أمريكا، وإنما في كل الدول التي تتعامل معها وفي المقدمة منها الصين، التي قامت هي الأخرى بما وجب عليها فعله.

الدول العربية هي الأخرى تسير في ذات المسار، دولة الإمارات أظهر مسح أجري فيها، أن القطاع الخاص غير المنتج للنفط، نما في مارس بأسرع وتيرة منذ يوليو 2019، مدعوماً بأعمال جديدة وارتفاع حاد في قطاع البناء.

ارتفع مؤشر مديري المشتريات في الدولة «IHS Markit» المعدل موسمياً، والذي يغطي التصنيع والخدمات، إلى 52.6 في مارس من 50.6 في فبراير، مسجلاً أعلى مستوى في 20 شهراً. تجاوز مؤشر مديري المشتريات الآن أيضاً علامة عدم التغيير في كل من الأشهر الأربعة الأخيرة، ما يشير إلى زخم متزايد في انتعاش الاقتصاد. وبالمثل، تحسنت ثقة الأعمال إلى أعلى مستوى لها في ثمانية أشهر، حيث أدى التفاؤل بشأن اللقاح وتوزيعه بين أفراد المجتمع إلى زيادة الثقة في النشاط المستقبلي.

وجاء إعلان الإمارات عن دخولها العصر النووي، بتوليد الطاقة من مفاعل «براكة» إشارة بالغة على استعداد لعصر جديد تكون التنمية فيه شاملة ومستقلة عن الاعتماد التقليدي على الطاقة الأحفورية.

المملكة العربية السعودية ضاعفت أهدافها في تنفيذ أهداف رؤية 2030؛ وفي مصر فإن توقعات الصندوق بشأنها أنها سوف تحقق معدلاً للنمو قدره 5.07 % خلال العام المالي 2021 - 2022. ومن المعروف أن مصر كانت من بين دول قليلة في العالم التي حققت معدلاً إيجابياً للنمو خلال العام المنصرم من الوباء قدره 3.6 %. هذه التوقعات المتفائلة تدلف بعد ذلك إلى إجراءات «حماية الانتعاش» من الانتكاس مرة أخرى؛ ولكنها تبدو واثقة أن الاقتصاد العالمي قد عبر نقطة اللاعودة في الخروج من الوباء.

هذه الحالة من التحفّز للسير في طريق التنمية وتجاوز الجائحة، يقابلها وجهة نظر أخرى؛ وفي 24 مارس المنصرم نشرت دورية «أفكار وتكنولوجيا» الأمريكية مقالاً لأندرياس كلوث بعنوان «لا بد أن نبدأ التخطيط لوباء دائم» جاء فيه أنه «خلال العام المنصرم جرى ادّعاء ظاهر أو ضمني حكم تفكيرنا حول الوباء، وهو أنه في لحظة ما، سوف ينتهي، وبعد ذلك تعود الحياة إلى حالتها المعتادة. ربما سوف نحتاج للمضي قدماً على طريق الانتعاش من ناحية؛ والاحتراز لمقاومة عودة الجائحة من ناحية أخرى».