هناك أوجه تشابه، في الشكل، بين الانسحاب الأمريكي من حرب أفغانستان الذي أعلن عنه الرئيس بايدن، بعد حرب طاحنة استمرت عقدين، والانسحاب الأمريكي من فيتنام، ولكن هناك أوجه اختلاف جوهرية.

قرار الانسحاب من أفغانستان اتخذّ في عهد ترامب، وما فعله الرئيس بايدن، هو، في حقيقة الأمر، الإعلان عن القرار المتخذ، وتحديد موعد لسحب قوات بلاده من هناك، ما يشير إلى أن مؤسسات الدولة العميقة في أمريكا مقتنعة بصحة وضرورة ذلك.

في فيتنام خاضت الولايات المتحدة حرباً ضروساً استمرت عشرين عاماً، من نهايات عام 1955، حتى تحرير مدينة سايجون في 30 أبريل/نيسان 1975، على أيدي مقاتلي جبهة التحرير الوطني الفيتنامية، بدعم من الاتحاد السوفييتي والصين معاً. وبالنسبة للفيتناميين كانت تلك حرب استقلال من الهيمنة الأمريكية، وإعادة توحيد البلاد التي انقسمت إلى قسمين: فيتنام الشمالية وفيتنام الجنوبية، فيما اعتبر الأمريكيون الحرب أحد أوجه المواجهة بين النظامين الرأسمالي والاشتراكي

في النهاية خسرت الولايات المتحدة، وخرجت من فيتنام، وأيضاً من كمبوديا ولاوس، مهزومة، محدثة صدعاً كبيراً في الداخل الأمريكي استمرت تداعياته طويلاً، حيث خاضت قوى أمريكية واسعة حملات احتجاجات على تلك الحرب التي كانت من وجهة نظرها غير أخلاقية، وعدواناً على شعب ينشد الحرية والاستقلال، وأوقعت أعداداً مهولة من الضحايا في صفوف الجنود الأمريكيين، والمقاتلين والمدنيين الفيتناميين، خاصة أن القوات الأمريكية استخدمت فيها أسلحة محرمة دولياً كقنابل النابالم.

في حال أفغانستان يختلف الأمر، فأمريكا، ومعها قوات «الناتو»، لم تتدخل لمواجهة حركة تحرر وطني كالتي كانت في فيتنام، يقودها زعماء متنوِّرون يمتلكون رؤية وبرامج عصرية، وإنما لمواجهة «عدو» كان لسنوات حليفاً لها في مواجهة الاتحاد السوفييتي؛ بل إنها هي من أوجدته وسلّحته ومدّته بأسباب النمو والقوة والتوسع، حين أوجدت تنظيم «القاعدة»، واستخدمت نفوذها في العالمين العربي والإسلامي لتمكينه، وبإرسال المقاتلين العرب وغير العرب لنصرته، وحين انسحب السوفييت انقلب السحر على الساحر، وبات الحليف عدواً، بلغ به الأمر نقل إرهابه إلى أمريكا نفسها في تفجيرات 11 سبتمبر/أيلول الشهيرة، لتغزو أمريكا أفغانستان لضرب «القاعدة» وحاضنتها «طالبان».

بعد عشرين عاماً تخرج أمريكا منهزمة أيضاً. وشتان بين خروجها من فيتنام وخروجها من أفغانستان. إذا كان المنهزم هو نفسه، فإن الرابحين في الحربين مختلفان حدّ التناقض. فيتنامياً: انتصرت قوة عصرية وحدّت البلاد وقادتها بسرعة نحو التنمية، وأفغانياً: انتصر تنظيم قبلي البنية، رجعي التوجه سيدفع بالبلاد نحو مزيد من القهقرى.