تُقدم أعذار عديدة لإباحة سفك الدَّم، وإن كان في شهر «الصّوم»، إذا ما تعلق الأمر بحماية المصالح السّياسية لنظام أجنبي، يعتقد القائمون عليه أنَّه إلهي، ولا يهم عندهم أنَّ يُنفذ في صائمين أو فاطرين، فعذر «التترس» يملَّأ الكتب الفقهيَّة، أي لأجل مصلحة إسلامهم، تُستباح دماء وتُهتك حُرمات، هذا ما مارسته جماعات القتل والمحاكم الإسلاميَّة الثَّوريَّة أيضاً، فتحت سيطرة هذه الجماعات، على بغداد والعِراق كافة، وحيث تصل أرجل أخطبوطها، لا عِصمة لدم، والفتاوى تصدر ضمنية بلا إعلان لتفجير أو اغتيال.

إنهم يهتمون في الجانب (الشرعي)، لذا لا نشك بتدينهم، وفق قياساتهم، فعندما تتطلب المصلحة يشن هجوم على جماعات أو مؤسسة، أو اغتيال شخصية يحسون بخطورتها، فالإذن الشّرعي ضمناً موجود، فلم يتعب قاتل المستشار أحمد الخازندار(1948) بتفسير إشارة شيخه حسن البنا(اغتيل: 1949): «خلصونا مِن الخازندار»(كامل، في نهر الحياة)، فهذه بمثابة فتوى للقتل، وعندما يظهر محمد كاظم الحائري، ويفتي بتحريم انتخاب العلماني، وينشرها حزب أمينه العام رئيس الوزراء نفسه، على الأعمدة في الساحات والطرقات، فهذا بمثابة منطوق فتوى قتل، لأنه وصمه بالكفر، أي لا تنتخبه لأنه كافر، وإن كان بارعاً في اختصاصه مخلصاً في وطنيته. قال: «يحرم التَّصويت في أي مرفق من مرافق الحكم العراقي إلى جانب إنسان علماني»(10 رجب 1433 الموافق 30/5/ 2012). كان صدورها منعاً لسحب الثَّقة مِن رئيس الوزراء وأمين «حزب الدعوة» بعد الكوارث التي أنتجتها فترته الثانية، ثم أعيد نشرها في انتخابات 2014 و2018.
لا تُبرأ القوى الدينية مِن انتهاك حرمة الدماء، فتطبيق الفتاوى والوصايا غير محددة بمناسبة، وهذا شأن الإسلاميين كافة، ميليشيات كانوا أو «دواعش»، فتفجير سوق الحبيبية مِن مدينة الثورة، في اليوم الثاني مِن رمضان(15/4/2021)، والمتوافق مع ضرب أربيل بالصَّواريخ، لا تمنع حرمة شهر الصيام المخططين والمنفذين مِن تنفيذ واجبهم الديني السياسيّ، على العكس في عقيدتهم الثوريَّة يُضاعف الثَّواب، ما زال فيه إزهاق للباطل وتثبيت للحقّ! فهم حريصون على صوم بغداد والعراق كافة، إلا الدماء، فشربها في عقيدتهم حلال، مادامت حاجة قائمة لعدم استقرار بغداد، باغتيال أو تفجير أو إطلاق صاروخ، أو استعراض بالسِّلاح، فعواصف العنف ببغداد تهب نسائم في عمق الجوار، هذه المهمة التي أُدخلت بها «داعش» إلى الموصل، وقبلها القاعدة مِن منافذ الجار الغربي، بعد الإعداد والتدريب.
إنها فاجعة أن تنفذ آلاف العمليات، مِن تفجيرات واغتيالات، على مدار 18 عاماً، وراعيها مهيمن على البلاد، ومِن الفاجعة أن يظهر رئيس السّلطة القضائية يبرأ ما عُرف بالطرف الثالث ودوره في اغتيالات الشباب المتظاهرين، وهي جماعات العنف الديني، التي تتحرك لأجل مصالح «الولاية»، بلا خجل مِن دماء المئات. لا تصوم بغداد عن الدم، مازالت هذه القوى تتبختر بسلاحها، تحت عذر فتوى «الجهاد الكفائي»، التي كان مِن المفروض أن يُفتى بوقفها، بعد أنّ غدت صكاً دينياً بيد الجماعات الولائية، تقتل وتغتال بظلها.
أصبح العراق أسير سياسة بلد آخر، يحتله بأهله وأموالهم، ولسان حاله ينشد للأخطل الضبعي(قُتل بعد المائة): «ومِن عجبِ الأيام أنَّك حاكمٌ/عليَّ وأنّي في الوثاق أسيرُ»(الآمدي، المؤتلف والمختلف). أقول: أرأيتم أغرب وأفجع وأخبث ممَن يصوم إلا عن الدَّم؟!