أظهرت مسألة اكتشاف شحنة مخدرات بملايين حبوب الكبتاغون معبأة داخل ثمر الرمان ومرسلة إلى المملكة العربية السعودية، هشاشة الدولة المركزية في لبنان. التحقيقات وحدها ستحدد المسؤولين داخل لبنان، والجهة التي كانت الشحنة داخل السعودية مرسلة إليها.

وقد تبين أن أساس الشحنة ليس لبنانياً، وربما يكون من سوريا. ونقول ربما؛ لأن لبنان بلد مكشوف مشرع الحدود البرية والبحرية والجوية. وهذا ليس قراراً على سبيل الصدفة؛ بل تشارك فيه معظم القوى السياسية.

فقد تبين أن شهادة المنشأ لبنانية؛ أي من الرمان اللبناني، وسرعان ما تبين أن الشهادة مزورة، خصوصاً أن موسم الرمان في لبنان لم يحن موعده، وهو يصادف أواخر فصل الصيف، لكن التلاعب بعلاقات لبنان مع بلد عربي مهم، مثل السعودية، أمر لا حاجة للبنان إليه، لا اليوم ولا في أي وقت، ويعتبر من أساسيات الأمن القومي.

فالسعودية ودول الخليج دائماً، كانت مقصد التجار والعمال اللبنانيين الذين أدوا دوراً مهماً في تأمين العملة الصعبة للبنان منذ خمسينات القرن العشرين. فكيف والوضع الآن، في لبنان، في الحضيض ويحتاج إلى كل عملة صعبة بعدما أمعن قادته من كل الطوائف في سرقة الخزينة ونهب أموال الناس والمودعين في سابقة لم تعرف مثيلاً لها حتى اليونان التي كان يضرب بها المثل في نهب أموال المودعين والإفلاس.

مثال آخر على التلاعب بالأمن القومي اللبناني، هذا بالطبع إذا كان هناك من أمن قومي لبناني، وهو تخطيط الحدود البحرية مع إسرائيل. فبعد سنوات من المباحثات مع الجانب الأمريكي خرج رئيس البرلمان نبيه بري، باتفاق إطار لبدء المفاوضات لترسيم الحدود، وكان هذا مفاجأة للجميع. وبعد أشهر على بدء المفاوضات ومن ثم توقفها، يأتي اقتراح مفاجئ من قيادة الجيش ووافق عليه الجميع، لتعديل الخط البحري الذي كان اقترحه لبنان، لكن الاقتراح لم يترجم إلى قرار؛ لأن الحكومة في لبنان مستقيلة والحكومة الجديدة لم تتشكل على الرغم من مرور ستة أشهر على تكليف سعد الحريري لتشكيلها.

ومن بعد ذلك جاءت المفاجأة الثالثة، وهي أن رئيس أكبر تكتل لبناني ومسيحي جبران باسيل، يقترح تعديلاً آخر على الخط الذي يقترحه لبنان، وتشكيل وفد سياسي للمفاوضات بدل أن يكون تقنياً؛ بل أيضاً تقاسم الثروات المتنازع عليها مع إسرائيل، عبر جهة ثالثة؛ أي أن لبنان يقترح خلال أشهر معدودة، تعديل خط الحدود البحرية ثلاث مرات في مسألة من أساسيات الأمن القومي اللبناني.

إذا كان من درس في هذا المثال، فهو أنه كما في مسألة الرمان لا توجد دولة مركزية في لبنان، وكل جهة تغني على ليلاها. نموذج ثالث لغياب الدولة في لبنان وهو أن إحدى القاضيات تحقق في مسألة نهب أموال المودعين وتشتبه وهذا حقها كقاضية في إحدى الجهات التي تشحن الأموال الصعبة من وإلى لبنان وتتم مداهمتها. في هذا الوقت يأتي قرار قضائي أعلى بكفّ يد القاضية عن استكمال مهمتها بعد أن تأمل اللبنانيون خيراً في أن يعرف اللبنانيون من الذي سرق أموالهم.

ونموذج رابع بات معروفاً، وهو كف يد القاضي الذي كان يحقق في انفجار مرفأ بيروت في الرابع من أغسطس/آب الماضي بعدما ادعى على العديد من المسؤولين. أما القاضي الذي حل محله، فلا يزال يراوح مكانه، بعدما بلغت رسالة كف يد القاضي السابق من يعنيهم الأمر، وهو أن منظومة الفساد تمنع التوصل إلى أية نتيجة، وبعدما بات الجميع على علم بأنه لا دولة في لبنان، لا مركزية ولا غير مركزية.

يمر لبنان بمرحلة إفلاس وهشاشة غير مسبوقة في تاريخه. وطالما كان لبنان عندما يهتز (وما أكثر اهتزازاته) يستنجد بأشقائه العرب ولا سيما الدول الخليجية ومصر.

أما اليوم، فإن توسلات الإنقاذ لا يسمعها أحد؛ لأن اللبنانيين ببساطة لم يعرفوا بناء دولة مركزية قوية ولا مركزية إدارية قوية، وهما أمران لا يتناقضان. فشل اللبنانيون واستحكمت منظومة الفساد، ومن لا يحمي مال أخيه في الوطن وأشقاءه في الخارج، لن يحمي أمنه القومي.