مر عام كامل وبضعة أسابيع منذ تأكد الكوكب أن وباءً فتاكاً قد ضربه في كل تفصيلة من تفاصيل الحياة. صحيح أن قوة الضربة تراوحت بحسب عوامل اقتصادية واجتماعية وثقافية وديموغرافية، لكن يظل الضرر الأممي الواقع في مجال التعليم واحداً.

استيقظ العالم ذات صباح ليجد أن درجة اتصاله بالشبكة العنكبوتية ومقدار إتاحتها وجاهزية أضلع التعليم من طالب ومعلم وإدارة مدرسية للتعامل معها، تشكل ثالوث الإنقاذ للعملية التعليمية التي ضربها الوباء.

بيانات «منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة» (يونسكو) أشارت قبل أيام، إلى أن ما يزيد على 1،6 مليار طالب ومئة مليون معلم وموظف في المدارس في نحو 190 دولة حول العالم، وجدوا أنفسهم خارج المدرسة بفعل وباء «كوفيد 19» فيما بات يعتبر الاضطراب العالمي للتعليم الأشد وطأة على الإطلاق. وبسبب استمرار الوباء، فإن ما يزيد على مئة مليون طفل سيحرمون من الحد الأدنى من الإلمام بمهارات القراءة.

وحيث إن مهارات القراءة والكتابة، والقدرة على التعلم، وتلقي الشرح اللازم، وإمكانية طرح الأسئلة، والحصول على نوعية تعليم «معقولة» ولا نقول بالغة التميز في زمن الوباء، أمور باتت متصلة اتصالاً شرطياً بمنظومة «التعلم الرقمي»، فإن أي تفكير أو تخطيط أو محاولات إنقاذ وسد فجوات وتخطيط لعام دراسي مقبل بأقل خسائر تعليمية ممكنة، سيتخذ من الرقمنة منهجاً محورياً.

هذا المنهج بدا جلياً في فكر العالم أثناء اجتماع ضم 85 وزيراً للتربية والتعليم في طاولة مستديرة افتراضية نظمتها «يونسكو» قبل أيام. صبت النقاشات في خانة إنقاذ ما يمكن إنقاذه من التعليم، والتدخل السريع لعلاج الصدمات والخسائر التي لحقت بملايين الطلاب حول العالم وأصابت العملية التعليمية إصابات قاتلة ستمتد آثارها سنوات.

المؤكد أن كل سنوات التعليم في حاجة ماسة إلى تسريع وتيرة التعلم الرقمي، وسد الفجوات الكبيرة فيه، وهي الفجوات التي تدين للوباء بالكثير. فلولا ضربته الفجائية، لما عرفت دول العالم، بالحجة والبرهان، مكانتها الحقيقية وقدراتها الواقعية في التعلم الرقمي.

هذه المكانة وتلك القدرات لا يتم معرفتها إلا بقياس القدرات الحقيقية للبنى التحتية الرقمية، وقدرات المعلمين على التعامل والتفاعل مع منصات التعلم الرقمي، ودرجة استجابة الطلاب، وموقف الأهل من المنظومة الرقمية.

وإتاحة بنية رقمية تحتية هائلة دون تدريب كافٍ أو رغبة وقناعة من قبل كل من المعلم والأهل، لا تضمن النجاح. أما قدرات الطلاب الرقمية فيكمن اعتبارها تحصيل حاصل لأسباب تتعلق بطبيعة الجيل الرقمي بالفطرة.

وقلما تخلو خطة أو حديث عن سبل تعافي التعليم مما لحق به من آثار الوباء دون أخذ الفجوة الرقمية وتعميم الاتصال الرقمي، وإعادة تصور التعليم في ضوء العصر الرقمي.

والمسألة الرقمية لم تعد رفاهية، كما لم تعد حكراً على دول متقدمة دون غيرها من المجموعة النامية. مفوضة الاتحاد الأفريقي للتعليم والعلوم والتكنولوجيا والابتكار البروفيسورة سارة أنيانغ أغبور على سبيل المثال، تحدثت قبل أيام عن حتمية إحداث التحول الرقمي في أنظمة التعليم في أفريقيا كوسيلة مؤكدة للتعافي مما أحدثه الوباء.

الوباء الذي يصعد من حدة موجته الثالثة هذه الآونة، أعاد إغلاق العديد من المدارس التي أعيد فتحها، وعجل باختبارات لإنهاء مبكر للعام الدراسي، وفاقم من أعداد المتسربين والمتسربات، وفاقم من حجم آثاره الوخيمة على كل بيت فيه طالب مدرسي ومن ثم على المجتمع كله.

وإذا كان نصف سكان العالم – أي نحو 3،6 مليارات شخص – يفتقدون في عام 2021 حق الاتصال بالإنترنت، فإن هذا يعني أن ما لا يقل عن 463 مليون طالب - أي ثلث طلاب العالم- محرومون من التعلم عن بعد، وبالتالي من التعلم برمته في ضوء قيود الوباء.

قيود الوباء لم تمنع مؤسسة مبادرات محمد بن راشد آل مكتوم العالمية في نوفمبر الماضي، من إطلاق أول مدرسة رقمية متكاملة توفر التعليم عن بعد، مستهدفة الطلاب أينما وجدوا لا سيما الأقل حظاً، مثل مجتمعات النزوح واللجوء. وقبل أيام بدأت الإمارات ومصر التنسيق لدعم مبادرة «المدرسة الرقمية».

معالي عمر بن سلطان العلماء وزير دولة للذكاء الاصطناعي والاقتصاد الرقمي وتطبيقات العمل عن بُعد في الإمارات، رئيس مجلس إدارة «المدرسة الرقمية» قال أثناء اجتماعه مع الدكتور طارق شوقي، وزير التربية والتعليم والتعليم الفني المصري، إن توفير حلول التعليم الرقمي في متناول الطلاب في أي وقت ومن أي مكان لم يعد خياراً، بل ضرورة قصوى، لا سيما في ضوء مجريات التكيف مع وباء «كوفيد 19».

تجربتا مصر والإمارات الفريدتان والمختلفتان في التعلم الرقمي والاستجابة لطوارئ الوباء التعليمية جديرة بتعاون وثيق ومدرسة رقمية عربية تخدم الجميع أينما كانوا. هكذا علمتنا دائماً مصر والإمارات.