يبدو أن هناك اهتماماً كبيراً من جامعات العالم للعمل في المسح الأثري والحفائر والدراسات المختلفة، حتى أن جامعة كانازاوا اليابانية بدأت الاهتمام بالعمل في مواقع العصور الحجرية، وكذلك تتبع الأنماط الرعوية القديمة في منطقتي الجوف وتبوك. وقد تشكلت بعثة يابانية سعودية للعمل في تلك المواقع منذ عام 2012 وذلك لمدة تسعة مواسم. وقد قامت البعثة بتسجيل 30 موقعاً جديداً يعود تاريخه إلى عصور متنوعة ما بين العصر الحجري القديم والعصر الحجري الحديث والعصر البرونزي، بالإضافة إلى العصر الحديدي ومواقع أخرى ترجع للعصور الإسلامية.
وقد أعلنت البعثة عن اكتشافات هامة مثل اكتشاف استيطان في حوض قرية يعود إلى العصر الحجري الحديث والعصر الحديدي، حيث يضم مستوطنة صغيرة من عشر طرق، وهو ما كشف للبعثة أن المنطقة تعتبر ذات نشاط رعوي شبه مستقر. ومن أهم ما عثر عليه داخل المقابر مجموعة أدوات حجرية. كما تم الكشف أيضاً في وادي جوبابي عن تسع دفنات اتضح أنها مقابر جماعية تعود إلى عصور ما قبل التاريخ لرعاة رحّل معزولة عن مواقع الاستيطان البشري، وهي ذات أبراج دائرية ومستطيلة ومربعة ومنها ما يعلوها منصات وجدران قائمة.
وقد قامت البعثة بعمل مقارنات بين هذه المدافن ومع ما عثر عليه في سيناء وجنوب الأردن واتضح أنها تعود إلى العديد من العصور الحجرية بداية من العصر الحجري الحديث، وتنتهي بالعصر البرونزي المبكر. وقد اكتشفت البعثة أيضاً كسرات فخارية تعود إلى تلك العصور الحجرية. وقد سجلت البعثة 88 معلماً من المعالم الأثرية في حوض قرية تقع على المدرجات الصخرية شملت مدافن ذات أبراج دائرية ومربعة يصل ارتفاعها إلى 1017م. وقد استطاعت البعثة أن تحدد أن تلك المدافن الركامية ترجع إلى العصر البرونزي، وذلك عن طريق مقارنتها بالآثار التي عثر عليها من نفس الفترة بسيناء ومنطقة الخليج. وكذلك أكدت البعثة على أن تلك الدراسات لا تعطي فقط فهماً لطبيعة الأنماط الرعوية القديمة، بل تسلط أيضاً الضوء على مسألة التواصل الحضاري بين جنوب الأردن وسيناء، وخاصة للتشابه بين الآثار التي عثر عليها في هذه المواقع وموقع العمل. وكشفت البعثة أيضاً في وادي سرما الواقع في مركز فحيمان بمحافظة ظبا بمنطقة تبوك عن موقع للعصر الحجري الحديث، وهو أول موقع يتم التنقيب عنه بشكل مكثف، مقارنة بالمواقع الأخرى مثل عينونة في تبوك والثمامة بالرياض. وقد قامت البعثة بدراسة الآثار عن طريق استخدام الكربون المشع، واتضح أن الموقع يعود إلى عام 7500 ق.م. وقد أظهرت البعثة وجود نحو 1000 أداة حجرية متنوعة، مثل أدوات الصيد وطحن وحصد الحبوب ورؤوس سهام. وقد أكدت هذه الاكتشافات الهامة أن الموقع عبارة عن قرية صغيرة موسمية للاستخدام الشتوي وخاصة لتخزين الحبوب.