لم يخطئ المثل الشعبي الذي يقول “ما حكّ جلدكَ إلّا ظفركَ”. فهو مستقى من خبراتٍ وتجارب وعِبَر، مادّيّة، معيشة، مباشرة، حسّيّة، بديهيّة، وبسيطة.

مختصر المعنى، أنّه يجب الاتّكال على الذات في كلّ الأمور، لا الاتّكال على الآخرين.

هذا لا يعني أنّ المرء لا يستطيع أنْ يستعين بمَن، وبما يشاء، ليحكّ جلده. هو يستطيع ذلك، لكنّه يجب أنْ يدفع ثمن هذه “الخدمة”، التي قد تكون غاليةً وباهظةً وفوق المستطاع. وقد تكون موجعةً، وقد لا تُحمَد عقباها في الكثير من الأحيان.

تاريخنا القريب والبعيد، يشهد على ذلك.

المثل الآنف ذكره، أي حكُّ الجلد، قد يكون ذا معنى قريب، وهو حكّ الجلد.

وقد يكون ذا معنى رمزيّ بعيد، من مثل استعانة شخصٍ، أو حزبٍ، أو طائفةٍ، أو قبيلةٍ، أو دولةٍ، بجهةٍ ما، استقواءً على فريقٍ آخر، وربّما بسبب العجز عن القيام بفعل “الحكّ” هذا، وربّما بسبب قوّةٍ قاهرة تمنع من تحقيق ذلك الهدف.

بلا شرحٍ طويل، وأيضًا بلا وعظٍ أو ثرثرة، أقول بصوتٍ تنبيهيٍّ وتحذيريٍّ، حازمٍ، صارمٍ، وشديد اللهجة، إنّ هذا المثل الحكيم والعاقل ينطبق كلّ الانطباق على واقعنا ال#لبنانيّ، ماضيًا وحاضرًا.

فنحن لا نحكّ جلودنا بأظفارنا، بل نريد من الآخرين أنْ يفعلوا ذلك.

لم يبقَ طرفٌ في العالم إلّا استنجد به طرفٌ لبنانيّ ليحكّ جلده: من الإسرائيلي، إلى السوريّ، فالمصريّ، فالتركيّ (والعثمانيّ)، مرورًا بالعراقيّ، والسعوديّ، والإيرانيّ، والفرنسيّ، والإنكليزيّ، والفاتكيانيّ، والروسيّ، والصينيّ، والأميركيّ، وهلمّ.
والنتيجة؟

لم يصل أيٌّ من الأطراف اللبنانيّين إلى نتيجةٍ شافية (من مرض الحكّ). فالجلد اللبنانيّ لا يزال بحاجةٍ إلى حكّ. بل هو، أي هذا الجلد، – الآن – يعاني كلّ المعاناة، ويمكن القول إنّه في ذروة هذه الحاجة، التي تدور في حلقةٍ مفرغة.

لماذا؟ لأنّه، وبكلّ بساطة، ما حكّ جلدكَ إلّا ظفركَ. وعبثًا يهرع الأطراف اللبنانيّون إلى القريب والبعيد طلبًا للمساعدة (بعضهم ضدّ بعض)، في حين أنّهم، هم أنفسهم، لا يساعدون أنفسهم.
اللبنانيّون منقسمون في ما بينهم، حول أنفسهم، وفي شأن لبنان. وكلٌّ يستعين بالخارج، أيًّا يكن هذا الكلُّ وهذا الخارج.

لا أبتغي تعييرهم، بسبب استنجادهم بالآخرين، ولا تذكيرهم بالنتائج الوخيمة والرهيبة التي ترتّبت على تلك الاستنجادات. لكنّي أرى جيّدًا وتمامًا أنّهم لم يربحوا يومًا بسبب استعانتهم بقريبٍ أو ببعيد، وأرى – جيّدًا وتمامًا – أنّهم لن يربحوا أنفسهم ولا لبنان، إذا لم يحكّوا جلدهم بأظفارهم.

عبثًا يلجأ هذا الفريق الداخليّ أو ذاك، إلى هذا الطرف الإقليميّ أو الدوليّ، ليحكّ له جلده، ويجعله يفوز على الفريق الداخليّ الآخر.

وزير الخارجيّة الفرنسيّ يُقال إنّه يقوم اليوم بزيارة “الفرصة الأخيرة”.
أقول للبنانيّين: ليس أمامكم إلّا أنْ تجدوا حلًّا بأنفسكم.

أنسوا دمشق وطهران والرياض وأنقرة وتلّ أبيب والقاهرة وباريس ولندن وروما وموسكو وبيجينغ، وهلمّ. لن يحكّ أحدٌ لكم جلدًا، إكرامًا لسواد عيونكم. بعد قليل، لن يبقى جلدٌ للحكّ.

“قبِّعوا شوككم بأيديكم”، وإلّا على الدنيا ولبنان السلام.