لا نظن ان حرف العوامل المحقة والموضوعية او تلك التي شابتها ثغرات في نتائج زيارة وزير الخارجية الفرنسي #جان ايف لودريان لبيروت الى الغرق في الفرز “المستعجل” بين القوى الداخلية الان وفي هذه المتاهة سيكون امرا مفيدا لأحد. الامر الذي لا يمكن الجدل في أهميته يتمثل في ان فرنسا الدولة الأكثر انخراطا في الازمة ال#لبنانية، وبالوكالة والأصالة عن المجتمع الدولي، باتت نافدة الصبر من القوى السياسية اللبنانية فقررت اطلاق رسالة التغيير من خلال معيار خاص اختارته لـ”لقاء قصر صنوبر” مستجد ومختلف عن اللقاءين السابقين اللذين عقدهما الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون في اب وأيلول من العام الماضي مع ممثلي الكتل والأحزاب الأساسية في لبنان. واذا كان الجانب الذي يجب تبريره للجانب الفرنسي في اطلاق رسالة التغيير السياسي لا يمكن ان يجادل فيه اثنان باعتبار ان اللبنانيين قبل سواهم باتوا يتقلبون على جمر انهيارات من صنع قوى وأنماط سياسية بالية وفاسدة ومرتبطة بالخارج، فان ذلك لا يعني التسليم الطوعي بان المعيار الذي اتبع في تصنيف من جمعهم لقاء لودريان وقوى سياسية ومجتمعية صار وحده المعيار الحاسم والنهائي لصحة التمثيل والتغيير.

يدرك ذلك الفرنسيون قبل سواهم بطبيعة الحال كما يدركه الافرقاء التقليديون و”الجدد” في لبنان وليس في الامر مفاجأة مدوية تستأهل اهمال الأخطر في الرسائل الفرنسية والانخراط الانفعالي في حروب الغائية مجانية داخلية مبكرة آخر هي آخر ما يمكن ان تشكل راهنا الوصفة الناجعة للجم المسار الانهياري المهرول بسرعة مخيفة على مختلف الصعد.

لعل أحدا لا يمكنه التنكر لحقيقة ان الانتخابات النيابية المقبلة في لبنان ستكون في منحاها الجوهري العميق أشبه باستحقاق تأسيسي جذري سواء أجريت على أساس قانون الانتخاب الحالي المثير لإنقسام عمودي كبير او اذا امكن التوصل الى قانون جديد.

فالمسألة الكبيرة التي بدأت تطغى على واقع لبنان منذ انفجار انتفاضة 17 تشرين وصولا الى اللحظة الراهنة بكل الاحداث الجذرية التي يشهدها لبنان باتت تدرج الانتخابات المقبلة في مصاف تطور تاريخي حقيقي لا يمكن ان تتأتى عن نتائجه العميقة اقل من تلك الدولة التي تصنعها اشد أزمات اللبنانيين ومآسيهم بفعل انهيارات صنعتها سلطات وقوى سيدينها الماضي والحاضر والمستقبل مهما استقوت وتجبرت بموازين قوى وفرت لها الاستئثار السلطوي. ولذا سيكون من أسوأ الأخطاء التكتية والاستراتيجية التي قد يقع في تداعياتها سائر القوى الحاملة فعلا للواء التغيير، جديدة كانت من صلب الانتفاضة ام تقليدية من المعسكرالسيادي، ان تحول الغضب الفرنسي المبرر وانما المشوب بالتعثر أيضا، الى عامل فتنوي راهنا في لحظة لن يستفيد منها سوى قوى التحالف السلطوي التي تبني حساباتها على إيقاعات أخرى تحيي لديها حسابات التحكم المديد بناء على المفاوضات الإقليمية والدولية الجارية حاليا مع دول المحور الإيراني.

والحال اننا نخشى السقوط في مطبات الفهم الخاطئ للرسالة الفرنسية كما نخشى ان تكون الإدارة السياسية الفرنسية للمبادرة التي اطلقها الرئيس ماكرون قد أصيبت بدورها بشوائب اللبننة بدلا من ان تبقى الوصفة الناجعة التي لا غنى عنها لوقف الانهيار المتسارع. وفيما لا تزال تفصلنا سنة “مبدئيا” عن الانتخابات سيكون أسوأ الاستعدادات اطلاقا باشعال فتنة تصنيف مبكرة كهذه تحت عنوان تغييري!