صيت بابلو بيكاسو كواحدٍ من أشهر فناني العصر الحديث، لم تحجب «بروفايلاً» آخر له، فهو وإن لم يكن ناشطاً سياسياً بالمعنى المباشر، رأى دائماً أن للفن دوراً في الحياة وفي تبني القضايا العادلة، بما فيها قضايا وطنه إسبانيا، وهذا ما تجلى في الكثير من لوحاته لعلّ أشهرها لوحة «جيرنايكا».
في العام 1937 كان بيكاسو يعيش في فرنسا، حين قصفت المقاتلات الألمانية مدينة جيرنايكا الإسبانية، مخلفة 1600 قتيل و800 جريح، ولم يبقَ من المدينة سوى الركام. كان على بيكاسو أن يعبر بالرسم عن موقفه من الجريمة المروعة، فهو في الأساس فنان، وهكذا رسم تلك اللوحة التي خلدّها تاريخ الفن، معبراً عن اصطفافه إلى جانب الجمهورية الإسبانية في مواجهة التدخل النازي، وتوصف تلك اللوحة بأنها الأضخم والأقوى من مجموع أعماله الثمانية آلاف التي أنجزها في حياته.
ما له دلالة أيضاً أن رسماً آخر لبيكاسو حقق شهرة عالمية كبيرة، رغم أنه يبدو بسيطاً، يمكن أن ندرجه اليوم في خانة ما يوصف ب «اللوغو»، رسمه الفنان لمؤتمر السلام العالمي الأول، الذي نظم في العام 1949، وكانت غايته التأسيس لوعي جديد مناهض لفكرة الحرب والعدوان، بعد نهاية الحرب العالمية الثانية وهزيمة نازية هتلر وفاشية موسوليني، فرسم بيكاسو حمامة كشعار للمؤتمر، سرعان ما غدت رمزاً لحركة السلم العالمي، ولفكرة السلم ونبذ الحرب عامة.
ما أكثر ما يصبح اسم بيكاسو ولوحاته في دائرة الضوء، مع الإعلان عن بيع لوحة جديدة من آثاره الفنية، وهذا ما جرى مؤخراً حين بيعت لوحة زيتية له بعنوان «المرأة الجالسة قرب النافذة»، مقابل 103.4 مليون دولار في مزاد لدار كريستيز في نيويورك محطمة تقديرات ما قبل البيع التي توقعت 55 مليوناً.
تظهر في اللوحة حبيبة بيكاسو ومصدر إلهامه ماري تيريز والتر، التي ألف المهتمون بالفن رؤيتها، لظهورها في معرض (بيكاسو 1932) بمعرض تيت مودرن عام 2018. تناول وسائل الإعلام للخبر ركزّ على الجانب التسويقي، ولم يتوقف كثيراً أمام اللوحة نفسها، حيث جرى النظر إلى الرقم القياسي الجديد الذي بيعت به اللوحة على أنه مؤشر على تعافي «سوق الفن» بعد حال التراجع التي شهدها منذ أن اجتاحت وباء «كوفيد – 19» العالم، والذي شلّ الكثير من أوجه الأنشطة الاقتصادية والفنية، لكن لم يكن لوسائل الإعلام أن تتجاهل حقيقة أن الحدث يعبر عن المكانة الخاصة لأعمال بابلو بيكاسو، حيث جرى التذكير أيضاً بلوحته «نساء الجزائر» التي بلغت سعراً نظيراً.