تبلغ من العمر 62 عاماً ولم تقرأ يوماً كتاباً غير كتب المدرسة والجامعة، وتسألني بحسرة كيف يمكنني أن أقرأ الآن؟ الأمر لم ينته! يمكنك البدء في القراءة منذ هذه اللحظة، هكذا كانت إجابتي لها، بعد هذا العمر المديد من الصولات والجولات في الحياة، وبعد مشاكسات مع الواقع وعالم خيالي، يكتشف الإنسان أنه بحاجة إلى أن يغزو بعيداً بفكره عن عالمه الحاضر المادي، النفس تتوق إلى نشوة الانبهار، ولو كان هذا الجزء العالمي من الإبهار لأحد آخر.

التائهون الضائعون الذين لا يريدون أن يتصفحوا ورقة واحدة من كتاب، ويشعرون بالذنب من الداخل، يحاولون أن يجدوا حججاً عظيمة ليهربوا من السؤال، هل تقرأ؟ وكم كتاباً قرأته؟

وتأتي الإجابات تناحر بعضها، غريبة وغير معتادة وبها كم من النرجسية التي تخجل من أن تعيدها، لا أحد يريد أن يقرأ لأنه لا يريد أن يعيش مع حكايات واهمة، ولا يريد أن يكون بطلاً في رواية أو قصة قصيرة، لكنه يتسابق ليشاهد مسلسلات تعرض لسنوات، ويتحدث عن البطل التلفزيوني وكأنه هو، ويعيد مشاهدة بعض المشاهد لأكثر من مرة، وينتقد الإضاءة والديكور والإخراج وحركة أبطال العمل، لكنه يتصدى لك بصدره حينما يقول لك: ما القراءة إلا مضيعة للوقت.

نحن نحتاج إلى أن نستفز الآخرين من أجل القراءة، أن تكون المكتبة متوفرة في كل ركن في الشارع والفنادق والمسارح وقاعات السينما وأمام الصراف الآلي ومحطات الوقود، أن نثير الجمهور لكي يندفع تجاه الكتاب كما يندفع تجاه المسلسلات والأفلام، ليقضي ساعات طوالاً يبحث عن كتاب جيد، كما يقضي مثلها أضعافاً يبحث عن مسلسل.