تختار الدول الأسلوب المناسب لها لتأمين ما تحتاج إليه من السلاح للدفاع عن نفسها، وتفضل الأغلبية شراء السلاح من الدول المتقدمة في الصناعات العسكرية دون الدخول في مجالات البحث ونقل التقنية والتجارب. وهذا القرار هو الأسهل لكنه ليس الخيار الاستراتيجي الصحيح على المدى البعيد.
أما الأسلوب الثاني فهو اتخاذ قرار بتوطين هذا النوع من الصناعات، ويتم ذلك تدريجيا بالتفاهم مع الدول المتقدمة في هذا المجال بحيث يتم نقل التقنية مع إجراء بحوث محلية لتطوير الصناعة واستمرارها، وهذا ما اهتمت به بلادنا منذ وقت مبكر، حيث أصدر الملك عبدالعزيز قرارا في 1368هـ بإنشاء المصانع الحربية في الخرج، وقام الملك سعود في 1373هـ بافتتاح أول مصنع للأسلحة، وظلت هذه الصناعة كما بدأت ولم تستطع أن توفر أكثر من 4 في المائة من الحاجة إلى المستلزمات العسكرية، التي تتزايد عاما بعد عام. ولذا اتجهت بلادنا إلى الاستيراد واحتلت في 1418هـ المرتبة الثالثة عالميا من حيث حجم الإنفاق العسكري الذي يشكل رقما كبيرا من الناتج الإجمالي المحلي.
وجاءت "رؤية 2030" التي اهتمت بهذا الخلل ووضعت ضمن أهم برامجها العمل على رفع نسبة توطين قطاع التصنيع العسكري المحلي بواقع عشرة أضعاف ليصبح 50 في المائة بحلول 2030. ولتحقيق هذا الهدف - بتخطيط وإشراف مباشر من ولي العهد الأمير محمد بن سلمان صاحب الأهداف الاستراتيجية المهمة ـ تقرر إنشاء الهيئة العامة للصناعات العسكرية، لتكون الجهة المشرعة لهذا القطاع المهم ولتشرف على الشركات العاملة وأهمها الشركة السعودية للصناعات العسكرية التي تأخذ بأحدث التقنيات وبمواصفات عالمية لتحقيق الاكتفاء الذاتي. وتوظف الشركة الكفاءات السعودية للعمل في هذا المجال التقني الذي يعتمد على البحث العلمي والاستفادة من تجارب الدول المتقدمة.
ويقول محافظ الهيئة العامة للصناعات العسكرية المهندس أحمد العوهلي بعد إقرار مجلس الوزراء لاستراتيجية قطاع الصناعات العسكرية: إن الموافقة تأتي امتدادا للدعم غير المحدود الذي يحظى به القطاع من القيادة بهدف تجسيد رؤيتها الحكيمة والطموحة نحو تعزيز الاستقلالية الاستراتيجية للمملكة وتطوير قدراتها الصناعية العسكرية والسعي إلى توطين هذا القطاع الواعد، وجعله رافدا مهما للاقتصاد السعودي من خلال نقل التقنية ودعم المستثمر المحلي "عن طريق إشراك المؤسسات الصغيرة والمتوسطة في إنتاج بعض أجزاء هذه الصناعة" وتوفير فرص العمل لأبناء وبنات الوطن. وقال العوهلي في حديثه لبرنامج "في العلن" الذي يقدمه الزميل خالد السليمان: إن الهيئة تعمل على ثلاثة محاور: وهي إدارة المشتريات العسكرية، وتوطين الصناعات العسكرية، والاهتمام بالأبحاث والتطوير. وأشار إلى منظومات يتم العمل على تطويرها في المحاور الثلاثة، وأكد أهمية إيجاد وظائف مميزة للشباب السعودي، خاصة في مجال الأبحاث والتطوير.
وأخيرا: خطوة استراتيجية تضع بلادنا في المكان اللائق بها كإحدى الدول المهمة في منظومة العشرين الدولية. وسيكون المواطن سعيدا حينما يعلم أن معظم ما تحتاج إليه بلاده من السلاح بأنواعه ينتج محليا، بدل الاعتماد الكامل على دول تتحكم في قرارها اعتبارات عديدة وكأنها تمنح طالب الشراء تلك المعدات مجانا، مع أنها بسعر مرتفع ومدفوع بالكامل بالنسبة لبلادنا القادرة ولله الحمد.